كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

الثالث: أن ينتصب بإضمار فعلٍ، فقدره الزمخشريُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وخلقها زينة.
وقدره ابن عطيَّة وغيره: وجعلها زينةً.
الرابع: أنَّه مصدرٌ لفعلٍ محذوف أي: «ولتتَزيَّنُوا بِهَا زينةً» .
وقرأ قتادة عن ابن أبي عامر: «لتَرْكَبُوهَا زِينَةً» بغير واوٍ، وفيها الأوجه المتقدمة؛ ويريد أن يكون حالاً من فاعل «لِترْكبُوهَا» متزينين.
فصل
لمَّا ذكر منافع الحيوان التي ينتفع بها من المنافع الضرورية، ذكر بعده منافع الحيوانات التي ليست بضرورية فقال: {والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} ، والخيل اسم جنسٍ لا واحد له من لفظه كالإبل.
واحتجَّ القائلون بتحريمِ لحومِ الخيلِ؛ وهو قول ابن عباسٍ، والحكم، ومالك، وأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - بهذه الآيةِ، قالوا: منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب، فلو كان أكل لحوم الخيل جائزاً؛ لكان هذا المعنى أولى بالذِّكر، وحيث لم يذكره الله - تعالى - علمنا تحريم أكله.
ويقوِّي هذا الاستدلال: أنَّه قال - تعالى - في صفة الأنعام {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} وهذه الكلمة تفيد الحصر، فيقتضي أن لا يجوز الأكل من غير الأنعامِ فوجب أن يحرَّم أكل لحوم الخيل بمقتضى هذا الحصرِ.
ثمَّ إنَّه - تعالى - ذكر بعد هذا الكلام الخيل والبغال والحمير، وذكر سبحانه أنها مخلوقة للركوب، وهذا يقتضي أن منفعة الأكلِ مخصوصة بالأنعام.
وأيضاً قوله تعالى: {لِتَرْكَبُوهَا} يقتضي أنَّ تمام المقصود من خلق هذه الأشياء الثلاثة، هو الركوبُ والزينةُ، ولو حلَّ أكلها لما كان تمامُ المقصود من خلقها هو الركوب، بل كان حلُّ أكلها أيضاً مقصوداً؛ وحينئذٍ يخرج جواز ركوبها عن أن يكون تمام المقصودِ؛ بل يصير بعض المقصودِ.
وأجاب الواحديُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: بأنَّه لو دلَّت هذه الآية على تحريم أكل الخيل؛ لكان تحريم أكلها معلوماً في مكَّة؛ لأنَّ هذه السورة مكية.
ولو كان الأمر كذلك لكان قول عامة المفسرين والمحدِّثين إنَّ تحريم لحوم الحمر الأهلية كان عام خيبر باطلاً؛ لأنَّ التحريم لما كان حاصلاًُ قبل هذا اليوم، لم يبق لتخصيص هذا التَّحريم بهذه [السنة] فائدة.
وأجاب غيره: بأنه ليس المراد من الآية بيان التَّحليل والتحريم؛ بل المراد منه أن

الصفحة 17