كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

والجَوْرُ: العدول عن الاستقامة؛ قال النابغة: [الطويل]
3301 - ... ... ... ... ... ... ... ... يَجُورُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً ويَهْتَدِي
وقال آخر: [الكامل]
302 - ومِنَ الطَّريقَةِ جَائِرٌ وهُدًى ... قَصْدُ السَّبيلِ ومِنْهُ ذُو دَخْلِ
وقال أبو البقاء: و «قَصْدُ» مصدرٌ بمعنى إقامة السَّبيل، أو تعديل السبيل، وليس مصدر قصدته بمعنى أتَيْتهُ.
فصل
قوله: {وعلى الله قَصْدُ السبيل} يعني بيان طريق الهدى من الضَّلالة، وقيل: بيان الحقِّ من الباطل بالآيات والبراهين، والقصد: الصراط المستقيم.
{وَمِنْهَا جَآئِرٌ} يعني: ومن السَّبيل جائر عن الاستقامة معوجّ، والقصد من السبيل دينً الإسلامِ، والجائر منها: اليهوديَّة والنَّصرانيةُ وسائر مللِ الكفرِ.
قال جابر بن عبد الله: «قَصْدُ السَّبيلِ» بيانُ الشَّرائع والفرائض.
وقال ابن المبارك وسهل بن عبد الله: «قَصْدُ السَّبيلِ» السنة، «ومِنْهَا جَائِرٌ» الأهواء والبدع؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ} [الأنعام: 153] .
فصل
قالت المعتزلة: دلت الآية على أنَّه يجب على الله الإرشاد والهداية إلى الدِّين وإزالةُ العلل [والأعذار] ؛ لقوله {وعلى الله قَصْدُ السبيل} وكلمة «عَلَى» للوجوب، قال تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] ودلت الآية أيضاً على أنه تعالى لا يضلُّ أحداً ولا يغويه ولا يصده عنه، لأنه لو كان - تعالى - فاعلاً للضَّلال؛ لقال {وعلى الله قَصْدُ السبيل} وعليه جائرها، أو قال: وعليه الجائر فلمَّا لم يقل ذلك، بل قال في قصد السبيل أنه عليه، ولم يقل في جور السبيل أنه عليه، بل قال: «ومِنْهَا جَائِرٌ» دلَّ على أنَّه - تعالى - لا يضلُّ عن الدينِ أحداً.
وأجيب: بأنَّ المراد على أنَّ الله - تعالى - بحسب الفضلِ والكرمِ؛ أن يبين الدِّين

الصفحة 19