كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

وقرأ أبو بكر «نُنْبِتُ» بنون العظمة، والزهري «تنَبِّتُ» بالتشديد، والظاهر أنَّهُ تضعيف التَّعدي، وقيل: بل للتَّكرير، وقرأ أبي: «تُنْبُتُ» بفتح الياء وضمِّ الباءِ. «الزَّرْعَ» وما بعده رفع بالفاعلية، وتقدم خلافُ القراء في رفع «الشَّمْس» وما بعدها ونصبها، وتوجيه ذلك في سورة الأعراف.
فصل
النبات قسمان:
أحدهما: لرعي الأنعام؛ وهو المراد من قوله «تُسِيمُونَ» .
والثاني: المخلوق لأكل الإنسانِ؛ وهو المراد من قوله: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون والنخيل والأعناب} .
فإن قيل: إنه - تعالى - بدأ في هذه الآية بذكر مأكول [الحيوان] وأتبعه بذكر مأكولِ الإنسانِ، وفي ىية أخرى عكس الترتيب؛ فقال: {كُلُواْ وارعوا أَنْعَامَكُم} [طه: 54] فما الفائدة فيه؟ .
فالجواب: أنَّ هذه الآية مبنيَّةٌ على مكارم الأخلاق؛ وهو أن يكون اهتمام الإنسانِ بمن يكون تحت يده، أكمل من اهتمامه بنفسه، وأمَّا الآية الأخرى، فمبنيةٌ على قوله - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -: «ابْدَأ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» .
فصل
اعلم أنَّ الإنسان خلق محتاجاً إلى الغذاء، والغذاء، إمَّا من الحيوانات، وإمَّا من النبات، والغذاء الحيوانيُّ أشرف من الغذاء النباتي؛ لأنَّ تولد أعضاءِ الإنسانِ من [أكل] أعضاء الحيوان أسهل من تولدها من غذاء النبات؛ لأنَّ المشابهة هناك أكمل وأتم، والغذاء الحيواني إنما يحصل من إسامةِ الحيواناتِ وتنميتها بالرعي؛ وهو الذي ذكره الله في الإسامةِ.
وأمَّا الغذاء النباتيُّ، فقسمان: حبوب، وفواكه: أمَّا الحبوب، فإليها الإشارة بقوله: «الزَّرْعَ» ، وأما الفواكه، فأشرفها: الزيتونُ، والنَّخيلُ، والأعناب أما الزيتون؛ فلأنه فاكهة من وجه، وإدامٌ من وجه آخر؛ لما فيه من الدهنِ، ومنافع الهنِ كثيرة: للأكلِ، والطلاءِ، وإشعالِ السِّراج.
وأما امتياز النَّخيل والأعناب من سائر الفواكه، فظاهر معلوم، وكما أنَّه - تعالى - لما ذكر الحيوانات المنتفع بها على التفصيل، ثم وصف البقية بقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ

الصفحة 23