كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

وقال الفراء: [بل يقال:] «طَرِيَ يَطْرَى طَرَاءً ممدوداً وطَراوَةً؛ كما يقال: شَقِيَ يَشْقَى شَقاءً وشَقاوةً» .
والطَّراوَةُ ضد اليُبوسَةِ أي: غضًّا جديداً، ويقال: طَريْتُ كذا، أي: جدَّدْتهُ، ومنه الثياب المُطرَّاة، والإطْراءُ: مدحٌ تجدَّد ذكرهُ؛ وأمَّا «طَرَأ» بالهمز، فمعناه: طَلَعَ.
قال ابن الأعرابي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لحمٌ طَريٌّ غير مهموز، وقد طَرُوَ يَطْرُو طَراوَةً.
فصل
اعلم أنَّه - تعالى - لما أخرج من البحر الملح الزُّعاقِ الحيوان الذي لحمه في غاية العذوبة، علم أنَّه إنَّما حدث لا بحسبِ الطب؛ بل بقدرة الله - تعالى - وحكمته بحيث أظهر الضد من الضدِّ.
فصل
لو حلف لا يأكل اللحم فأكل لحم السَّمك، قال أبو حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: لا يحنثُ؛ لأنَّ لحم السَّمك ليس بلحم. وقال آخرون: يحنثُ لأنَّ الله - تعالى - نصَّ على تسميته لحماً، وليس فوق بيان الله بيانٌ.
روي أنَّ أبا حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - لما قال بهذا، وسمعه سفيان الثوري فأنكر عليه ذلك محتجاً بهذه الآية؛ فبعث إليه أبو حنيفة رجلاً وسأله عن رجلٍ حلف لا يصلِّي على البساطِ فصلَّى على الأرضِ، هل يحنث أم لا؟ .
فقال سفيان - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لا يحنثُ، فقال السائل: أليس أنَّ الله - تعالى - قال: {والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطا} [نوح: 19] قال: فعرف سفيان أنَّ ذلك بتلقين أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قاله ابن الخطيب.
وهذا ليس بقويِّ؛ لأنَّ أقصى ما في الباب أنَّا تركنا العمل بظاهرِ القرآنِ في لفظ البساط لدليل قام، فكيف يلزمنا ترك العمل بظاهر القرآن في آية أخرى من غير دليل، والفرق بين الصورتين من وجهين:
الأول: أنه لما حلف لا يصلِّي على البساط، فلو أدخلنا الأرض تحت لفظ البساطِ؛ لزمنا أن نمتعه من الصلاة؛ لأنه إن صلَّى على الأرض حنث، وإن صلَّى على البساط حنث، بخلاف ما إذا أدخلنا لحم السمك تحت لفظِ اللحم؛ لأنه ليس في منعه من أكل اللَّحم على الإطلاق محذورٌ.
الثاني: أنَّا نعلم بالضرورة من عرف أهل اللغة، أنَّ وقوع اسم البساط على الأرض مجازٌ ولم نعرف أن وقوع اسم اللحم على لحم السمك مجاز وحجة أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: أنَّ الأيمان مبناها على العرف؛ لأن الناس إذا ذكروا اللحم على الإطلاقِ، لا

الصفحة 28