كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

أنَّ الأرض كرة، وثبت أنَّ الجبال على سطح الكرة جاريةٌ مجرى خشوناتٍ تحصل على وجه هذه الكرة.
وإذا ثبت هذا فنقول: لو فرضنا أنَّ هذه الخشوناتِ ما كانت حاصلة؛ بل كانت الأرض كرة حقيقية، خالية عن الخشونات، والتضريسات - لصارت بحيث تتحركُ بالاتسدارة بأدنى سبب؛ لأنَّ الجرم البسيط المستدير: إمَّا ن يجب كونه متحركاً بالاستدارة؛ وإن لم يجب ذلك عقلاً، إلاَّ أنَّها بأدنى سبب تتحركُ على [هذا الوجه] ، فلما حصل على ظاهر سطح الكرة من الأرض هذه الجبال، وكانت الخشونات الواقعة على وجهِ الكرةِ، فكل واحدٍ من هذه الجبال إنَّما يتوجه بطبعه نحو مركز العالم، وتوجُّه ذلك الجبل نحو مركز العالم بثقله العظيم، وقوته الشديدة، يكون جارياً مجرى الوتد الذي يمنع كرة الأرض من الاستدارة، فكان تخليقُ هذه الجبال على وجه الأرض كالأوتادِ المغروزةِ في الكرة المانعة من الحركة المستديرة، فكانت مانعة للأرض من المَيْدِ، والمَيْلِ، والاضطراب، بمنى أنها منعت الأرض من الحركةِ المستديرة والله أعلم.
قوله: «وأنْهَاراً» عطف على «رَواسِيَ» ؛ لأنَّ الإلقاء بمعنى الخلقِ، وادَّعى ابن عطيَّة رَحِمَهُ اللَّهُ: أنَّه منصوب بفعلٍ مضمرٍ، أي: وجعل فيها أنهاراً.
وليس كما ذكر.
وقيل: الإلقاءُ معناه الجعلُ، قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا} [فصلت: 10] وقدره أبو البقاء: «وشقَّ فيها أنْهاراً» وهو مناسبٌ.
واعلم أنَّه ثبت في العلوم العقليَّة، أنَّ أكثر الأنهار إنما يتفجرُ منابعها في الجبال، فلهذا [السبب] لمَّا ذكر الجبال، أتبع ذكرها بتفجير العيون والأنهار.
قوله «وسُبُلاً» أي: وذلَّل، أو وجعل فيها طرقاً؛ لتهتدوا بها في أسفاركم؛ كقوله تعالى: {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} [طه: 53] إلى ما تريدون.
وقوله: {وَعَلامَاتٍ} أي: وضع فيها علاماتٍ.
قوله: «وبِالنَّجْمِ» متعلق ب «يَهْتَدُون» والعامة على فتح النون، وسكون الجيم، بالتوحيد، فقيل: المراد به: كوكب بعينه وهو الجَدْي أو الثُّريَّا.
وقيل: بل هو اسم جنس، وقرأ ابنُ وثَّاب: بضمهما، والحسن: بضمِّ النون فقط، وعكس بعضهم النقل عنهما.
فأمَّا قراءة الضمتين، ففيها تخريجان:
أظهرهما: أنه جمع صريح؛ لأنَّ فعلاء يجمع على فعل؛ نحو: «سَقْقٌ وسُقُف، وزَهْر وزُهُر» .

الصفحة 33