كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

وهذا غير طائل، والقول بالتوكيد أظهر.
وقرأ العامة: «بُنْيَانَهُمْ» ، وقوم: بُنْيَتَهُمْ، وفرقة منهم أبو جعفر: بَيْتَهُم. والضحاك: بُيوتَهُم.
والعامة: «السَّقْفُ» أيضاً مفرداً، وفرقة: بفتح السِّين، وضمِّ القاف بزنة «عَضُد» وهي لغة في «السَّقفِ» ولعلَّها مخففة من المضموم، وكثر استعمال الفرع؛ لخفَّته، كقولهم في لغة تميم «رَجُلٌ» ولا يقولون: رجَُلٌ.
وقرأ الأعرج: «السُّقُف» بضمتين، وزيد بن علي: بضم السين، وسكون القاف، وقد تقدم مثل ذلك في قراءة {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] ثم قال: {وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} إن حملنا الكلام على محض التمثيل؛ فالمعنى: أنَّهُمْ اعتمدوا على منصوباتهم، ثم تولَّد البلاء منها بأعيانها، وإن حملناه على الظاهر، فالمعنى: أن السَّقف نزل عليهم بغتة.
ثم بين - تعالى - أن عذابهم لا يكون مقصوراً على هذه القدر، بل الله - تعالى - يخزيهم [يومَ] القيامة، والخِزْيُ: هو العذاب مع الهوانِ؛ فإنه يقول لهم: {أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} .
قال أبو العبَّاس المقريزيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ورد لفظ «الخِزْي» في القرآن على أربعة [معانٍ] :
الأول: بمعنى العذاب؛ كهذه الآية؛ وكقوله تعالى: {وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] أي: لا تُعذِّبني.
الثاني: بمعنى القَتْلِ؛ قال تعالى: {فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذلك مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحياة الدنيا} [البقرة: 85] ، أي: القتلُ.
قيل: نزلت في بني قريظة، ومثله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ} [الحج: 9] أي: فضيحة. قيل: نزلت في النضر بن الحارث.
الثالث: بمعنى الهوان، قال تعالى: {كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ} [يونس: 98] أي الهوان.

الصفحة 45