كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

كالمغاير، فكيف يكون تبديلاً؟ ثم قال: {ولن تَجدِ مِنْ دُونهِ مُلتحداً} أي: ملجأ، قال أهل اللغة: هو من لحد وألحد: إذا مال، ومنه قوله
{الذين يُلْحِدُونَ} [فصلت: 40] والملحدُ: الماثل عن الدِّين.
قال ابن عباس: حرزاً.
وقال الحسن: مدخلاً.
وقال مجاهد: ملجأ.
وقيل: ولن تجد من دونه ملتحداً في البيان والإرشاد.
قوله: {واصبر نَفْسَكَ} أي: احبسها وثبتها قال أبو ذؤيب: [الكامل]
3507 - ب - فَصَبرْتُ نَفْساً عِنْدَ ذلِكَ حُرَّة ... تَرْسُو إذَا نَفْسُ الجَبانِ تَطلَّعُ
وقوله: «بالغَداةِ» تقدَّم الكلام عليها في الأنعام.
فصل في نزول الآية
نزلت في عيينة بن حصن الفزاريِّ، أتى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قبل أن يسلم، وعنده جماعةٌ من الفقراءِ فيهم سلمان، وعليه شملةٌ قد عرق فيها، وبيده خوصةٌ يشقها، ثم ينسجها؛ فقال عيينة للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: أما يؤذيكَ ريحُ هؤلاء؟ ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا، أسلم الناس، وما يمنعنا من اتِّباعِكَ إلاَّ هؤلاء، حتى نتبعك، واجعل لنا مجلساً، ولهم مجلساً، فأنزل الله تعالى: {واصبر نَفْسَكَ} ، أي: احبسْ يا محمد نفسك {مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي} طرفي النَّهار، {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي: يريدون الله، لا يريدون به عرضاً من الدنيا.
وقال قتادة: نزلت في أصحاب الصُّفة، وكانوا سبعمائة رجلٍ فقراء في مسجد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يرجعون إلى تجارة، ولا إلى زرع، يصلُّون صلاة، وينتظرون أخرى، فلما نزلت هذه الآية، قال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «الحمد لله الذي جعل في أمَّتي من أمرتُ أن أصبر نفسي معهم» . وهذه القصة منقطعة عما قبلها، وكلامٌ مفيدٌ مستقلٌّ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأنعام، وهو قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} [الأنعام: 52] ففي تلك الآية نهى الرسول - عليه السلام - عن طردهم، وفي هذه الآية أمرهُ بمجالستهم والمصابرة معهم.
فصل في قراءات الآية
قرأ ابن عامر بالغداة والعشيّ، بضمِّ الغين، والباقون بالغَداة، وهما لغتان، فقيل:

الصفحة 468