كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

المراد كونهم مواظبين على هذا العمل في كلِّ الأوقاتِ كقول القائل: ليس لفلانٍ عمل بالغداة والعشيِّ إلاَّ شتم الناس، وقيل: المراد صلاة الفجر والعصر.
وقيل: المراد الغداة هي الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النَّوم إلى اليقظة، ومن اليقظة إلى النَّوم.
قوله: {وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أن مفعوله محذوف، تقديره: ولا تعد عيناك النظر.
والثاني: أ، هـ ضمِّن معنى ما يتعدَّى ب «عَنْ» قال الزمخشريُّ: «يقال: عدَّاه، أي: جاوزه فإنما عدِّي ب» عَنْ «لتضمين» عَدا «معنى نبا وعلا في قولك: نَبتْ عنه عينه، وعلتْ عنه عينه، إذا اقتحمته، ولم تعلق به، فإن قيل: أي غرضٍ في هذا التضمين؟ وهلاَّ قيل: ولا تعدهم عيناك، أو: ولا تعل عيناك عنهم؟ فالجواب: الغرض منه إعطاءُ مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى [فذٍّ] ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك متجاوزتين إلى غيرهم، ونحوه
{وَلاَ
تأكلوا
أَمْوَالَهُمْ إلى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] ، أي: لا تضمُّوها إليها آكلين لها «.
وردَّه أبو حيان: بأنَّ مذهب البصريين أن التضمين لا ينقاس، وإنما يصار إليه عند الضرورة، فإذا أمكن الخروج عنه، فلا يصار إليه.
وقرأ لحسن» ولا تُعدِ عَينَيْكَ «من أعدى رباعيًّا، وقرأ هو، وعيسى، والأعمش» ولا تُعدِّ «بالتشديد، من عدَّى يعدِّي مضعفاً، عدَّاه في الأولى بالهمزة، وفي الثانية بالتثقيل؛ كقول النابغة: [البسيط]
3508 - فَعدِّ عَمَّا تَرَى إذْ لا ارتِجاعَ لهُ ... وانْمِ القُتودَ على عَيْرانةٍ أجُدِ
كذا قال الزمخشري، وأبو الفضل، وردَّ عليهما أبو حيان: بأنه لو كان تعدِّيه في هاتين القراءتين بالهمزة، أو التضعيف، لتعدَّى لاثنين؛ لأنه قبل ذلك متعد لواحد بنفسه، وقد أقرَّ الزمخشري بذلك؛ حيث قال:» يقال: عداهُ إذا جاوزه، وإنَّما عدِّي ب «عن» لتضمنه معنى علا، ونبا «فحينئذٍ يكون» أفْعلَ «و» فعَّل «ممَّا وافقا المجرَّد وهو اعتراضٌ حسنٌ.
فصل
يقال: عدَّاه، إذا جاوزه، ومنه قولهم: عدا طورهُ، وجاءني القومُ عدا زيداً؛ لأنَّها تفيد المباعدة، فكأنَّه تعالى نهى نبيَّه عن مباعدتهم، والمعنى: لا تزدري فقراء المؤمنين،

الصفحة 469