كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

وقال الزمخشري: «فإن قلت: لم أفرد الجنَّة، بعد التثنية؟ قلت: معناه: ودخل ما هو جنَّتهُ، ما له جنة غيرها، بمعنى: أنه ليس له نصيب في الجنة الَّتي وعد المتَّقون، فما ملكه في الدنيا، فهو جنَّته، لا غير، ولم يقصد الجنتين، ولا واحدة منهما» .
فصل
قال أبو حيان: «ولا يتصوَّر ما قال؛ لأنَّ قوله: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} إخبار من الله تعالى بأنَّ هذا الكافر دخل جنَّته، فلا بدَّ أن قصد في الإخبار: أنه دخل إحدى جنتيه؛ إذ لا يمكن أن يدخلهما معاً في وقتٍ واحدٍ» . قال شهاب الدين: من ادَّعى دخولهما في وقتٍ واحدٍ، حتَّى يلزمه بهذا المستحيلِ في البداية؟ وأمَّا قوله «ولم يقصد الجنَّتين، ولا واحدة» معناه: لم يقصد تعيين مفردٍ، ولا مثنى، لا أنه لم يقصد الإخبار بالدخول.
وقال أبو البقاء: «إنما أفرد؛ لأنَّهما جميعاً ملكهُ، فصارا كالشيء الواحد» .
قوله: «وهُو ظَالِمٌ» حال من فاعل «دَخلَ» ، وقوله «لنَفْسهِ» مفعول «ظَالِمٌ» واللام مزيدة فيه؛ لكون العامل فرعاً.
قوله: « {مَآ أَظُنُّ} فيه وجهان:
أحدهما: ان يكون مستأنفاً بياناً لسبب الظلم.
والثاني: أن يكون حالاً من الضَّمير في» ظَالِمٌ «، أي: وهو ظالمٌ في حال كونه قائلاً.
قوله:» أنْ تَبِيدَ «أي: تهلك، قال: [المقتضب]
3527 - فَلئِنْ بَادَ أهْلهُ ... لبِما كَانَ يُوهَلُ
ويقال: بَادَ يَبيدُ بُيُوداً وبَيْدُودة، مثل» كَيْنُونة «والعمل فيها معروفٌ، وهو أنه حذفت إحدى الياءين، ووزنها فيعلولة.
قوله: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} يعني الكافر آخذاً بيد صاحبه المسلم يطوف به فيها، ويريه بهجتها وحسنها، وأخبره بصنوف ما يملكه من المال {وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بكفره، وهذا اعتراضٌ وقع في أثناء الكلام، والمعنى أنه لمَّا اغترَّ بتلك النِّعم، وتوسَّل بها إلى الكفران والجحود؛ لقدرته على البعث، كان واضعاً لتلك النِّعم في غير موضعها، {قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً} .
قال أهل المعاني: لما أذاقه حسنها وزهوتها، توهَّم أنها لا تفنى أبداً مطلقاً، {وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً} فجمع بين كفرين.

الصفحة 487