كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

قوله: {مِن نُّطْفَةٍ} النُّطفة في الأصل: القطرة من الماء الصافي، يقال: نَظفَ يَنطفُ، أي: قطرَ يَقطُر، وفي الحديث: «فَخرجَ، ورَأسهُ يَنطفُ» وفي رواية: يَقطرُ، وهي مفسِّرةٌ، وأطلق على المنيِّ «نُطفَةٌ» تشبيهاً بذلك.
قوله: «رجُلاً» فيه وجهان:
أحدهما: أنه حالٌ، وجاز ذلك، وإن كان غير منتقلٍ، ولا مشتقٍّ؛ لأنه جاء بعد «سوَّاك» إذ كان من الجائز: أن يسوِّيهُ غير رجل، وهو كقولهم: «خَلقَ الله الزَّرافةَ يَديْهَا أطْولَ من رِجْلَيْهَا» وقول الآخر: [الطويل]
3528 - فَجاءَتْ بِهِ سَبْطَ العِظامِ كأنَّما ... عِمامَتهُ بيْنَ الرِّجالِ لِوَاءُ
والثاني: أنه مفعول ثانٍ ل «سَوَّاكَ» لتضمُّنه معنى خلقك، وصيَّرك وجعلك، وهو ظاهر قول الحوفيِّ.
قوله: {لَّكِنَّ هُوَ الله رَبِّي} : قرأ ابن عامر، ويعقوب، ونافع في رواية بإثبات الألف وصلاً ووقفاً، والباقون بحذفها وصلاً، وبإثباتها وقفاً وهي رواية عن نافعٍ، فالوقفُ وفاقٌ.
والأصل في هذه الكلمة: «لكن أنّا» فنقل حركة همزة «أنَا» إلى نون «لكِنْ» وحذف الهمزة، فالتقى مثلان، فأدغم، وهذا أحسنُ الوجهين في تخريج هذا، وقيل: حذف همزة «أنا» [اعتباطاً] ، فالتقى مثلان، فأدغم، وليس بشيءٍ؛ لجري الأول على القواعد، فالجماعة جروا على مقتضى قواعدهم في حذف ألف «أنّا» وصلاً، وإثباتها وقفاً، وقد تقدم لك: أنَّ نافعاً يثبت ألفه وصلاً قبل همزة مضمومة، أو مكسورة، أو مفتوحة؛ بتفصيلٍ مذكورٍ في البقرة، وهنا لم يصادف همزة، فهو على أصله أيضاً، ولو أثبت الألف هنا، لكان أقرب من إثبات غيره؛ لأنه أثبتها في الوصلِ جملة.
وأمَّا ابن عامرٍ، فإنه خرج عن أصله في الجملة؛ إذ ليس من مذهبه إثبات هذه الألف وصلاً في موضع [ما] ، وإنما اتَّبع الرسم. وقد تقدَّم أنها لغة تميمٍ أيضاً.
وإعراب ذلك: أن يكون «أنَا» مبتدأ، و «هو» مبتدأ ثانٍ، و «هو» ضمير الشأن، و «اللهُ» مبتدأ ثالث و «ربِّي» خبر الثالث، والثالث وخبره خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول، والرابط [بين الأول] وبين خبره الياء في «ربِّي» ويجوز أن تكون الجلالة بدلاً من «هُوَ» أو نعتاً، أو بياناً، إذا جعل «هو» عائداً على ما تقدَّم من قوله «بالذي خلقك من

الصفحة 489