كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

ثم قال: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا} .
أي: انطلقا إلى أن بلغا مجمع بينهما، والضمير في قوله: «بينهما» إلى ماذا يعود؟ .
فقيل: لمجمع البحرين.
وقيل: بلغا الموضع الذي وقع فيه نسيانُ الحوت، وهذا الموضع الذي كان يسكنه الخضر - عليه السلام - أي: يسكن بقربه، ولأجل هذا المعنى، لمَّا رجع موسى وفتاه بعد أن ذكر الحوت، صار إليه، وهو معنى حسنٌ، والمفسِّرون على القول الأوَّل.
قوله: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} : الظاهر نسبةُ النِّسيانِ إلى موسى وفتاه، يعني نسيا تفقُّد أمره، فإنه كان علامة لهما على ما يطلبانه، وقيل: نسيَ موسى أن يأمرهُ بالإتيان به، ونسي يوشعُ أن يفكِّره بأمره، وقيل: النَّاسِي يوشع فقط، وهو على حذف مضاف، أي: نسي أحدهما؛ كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ} [الرحمن: 22] .
قوله: «في البَحْرِ سرباً» مفعول ثانٍ ل «اتَّخذَ» و «فِي البَحْرِ» يجوز أن يتعلق ب «اتَّخذ» وأن يتعلق بمحذوفٍ على أنه محالٌ من المفعول الأول أو الثاني.
والهاء في «سبيلهُ» تعود على الحوت، وكذا المرفوع في «اتَّخذَ» .
قوله: {جَاوَزَا} : مفعوله محذوف، أي: جاوزا الموعد، وقيل: جاوزا مجمع البحرين.
قوله: «هَذَا» إشارة إلى السَّفر الذي وقع بعد تجاوزهما الموعد، أو مجمع البحرين، و «نَصباً» هو المفعول ب «لَلِينَا» والعامة على فتح النون والصاد، وعبد الله بن عبيد بن عمير بضمِّهما، وهما لغتان من لغاتٍ أربعٍ في هذه اللفظة، كذا قال أبو الفضل الرازيُّ في «لَوامحِهِ» .
قوله: {أَرَأَيْتَ} : تقدم الكلام عليها مشبعاً في الأنعام، وقال أبو الحسن الأخفش هنا فيها كلاماً حسناً، وهو: أنَّ العرب أخرجتها عن معناها بالكليَّة، فقالوا: أرَأيْتكَ، وأرَيْتكَ بحذف الهمزة، إذا كانت بمعنى: أخْبِرْنِي «وإذا كانت بمعنى» أبْصَرْتَ «لم تحذف همزتها، وشذَّت أيضاً، فألزمها الخطاب على هذا المعنى، ولا يقال فيها أيضاً:» أرَانِي زيداً عمراً ما صَنعَ «ويقال على معنى» اعْلَمْ «وشذَّت أيضاً، فأخرجتها عن موضعها بالكليَّة؛ بدليل دخول الفاء؛ ألا ترى قوله: {أرَأيْتَ إذ أوينا إلى الصَّخرةِ فإني} فمَا دخلت الفاء إلاَّ وقد أخرجت إلى معنى:» أمَّا «أو» تنبَّه «، والمعنى: أمَّا إذ أوينا إلى الصَّخرة، فإنِّي نسيتُ الحوت، وقد أخرجتها أيضاً إلى معنى» أخبرني «كما قدَّمنا، وإذا كانت بمعنى» أخبرني «فلا بدَّ بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم [الجملة] التي بعدها الاستفهام، وقد تخرج لمعنى» أمَّا «ويكون أبداً بعدها الشرط، وظروف الزمان، فقوله» فإنِّي نسيتُ «

الصفحة 524