كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

معناه: أمَّا إذ أوينا فإنِّ] ، أو تنبَّه إذْ أويْنَا، وليست الفاءُ إلاَّ جواباً ل» أرَأيْتَ «لأنَّ» إذْ «لا يجوز أن يجازى بها إلاَّ مقرونة ب» ما «بلا خلافٍ» .
قال الزمخشري: «أرأيت» بمعنى «أخْبرنِي» فإن قلت: ما وجه التئامِ هذا الكلام، فإنَّ كلَّ واحد من «أرَأيْتَ» ومن «إذْ أويْنَا» ومن {فإنِّي نسيتُ الحوت} لا متعلق له.
قلت: لمَّا طلب موسى الحوت، ذكر يوشع ما رأى منه، وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية، ودهش، فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك، كأنه قال: أرأيت ما دهاني، إذ أوينا إلى الصخرة، فإنّي نسيتُ الحوت، فحذف ذلك.
قال أبو حيَّان: وهذان مفقودان في تقدير الزمخشريِّ: «أرَأيْتَ بمعنى أخبرني» يعني بهذين ما تقدَّم في كلام الأخفش من أنَّه لا بدَّ بعدها من الاسم المستخبر عنه، ولزومِ الاستفهام الجملة التي بعدها.
قال النوويُّ في «التهذيب» يقال: أوى زيدٌ بالقصر: إذا كان فعلاً لازماً، وآوى غيره بالمدِّ: إذا كان متعدِّياً، فمن الأول هذه الآية قوله:
{إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف} [الكهف: 10] .
ومن المتعدِّي قوله تعالى: {وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50] .
وقوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فآوى} [الضحى: 6] .
هذا هو الفصيح المشهور، ويقال في كلِّ واحدٍ بالمدِّ والقصر، لكن بالقصر في اللازمِ أفصح، والمدُّ في المتعدِّي أفصحُ وأكثر.
قوله: «ومَا أنْسَانيهُ» قرأ حفص بضم الهاء، وكذا في قوله: «عَلَيْهُ الله» في سورة الفتح [آية: 10] ، قيل: لأنَّ الياء هنا أصلها الفتح، والهاء بعد الفتحة مضمومة، فنظر هنا إلى الأصل، وأمَّا في سورة الفتح؛ فلأنَّ الياء عارضة؛ إذ أصلها الألف، والهاء بعد الألف مضمومة، فنظر إلى الأصل أيضاً.
والباقون بالكسر نظراً إلى اللفظ، فإنَّها بعد ياءٍ ساكنة، وقد جمع حفص في قراءته بين اللغات في هاء الكناية: فإنه ضمَّ الهاء في «أنسانيه» في غير صلة، ووصلها بياءٍ في قوله: {فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: 69] على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، وقرأ كأكثر القراء فيما سوى ذلك.
وقرأ الكسائي «أنسانيه» بالإمالة.
قوله: «أنْ أذكرهُ» في محلِّ نصبٍ على البدل من هاء «أنسانيه» بدل اشتمال، أي: أنساني ذكرهُ.

الصفحة 525