كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

وقيل: كان من أبناء الملوك الذين زهدُوا في الدنيا، والخضر لقبٌ له، سمِّي بذلك؛ لما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «إنَّما سمِّي خضراً؛ لأنَّه جلس على فَرْوةٍ بيْضاءَ، فإذا هِيَ تهتزُّ تَحْتَهُ خَضِراً» .
وقال مجاهد: إنما سمِّي خضراً؛ لأنَّه كان إذا صلَّى، اخضرَّ ما حوله.
روي في الحديث أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا رأى الخضر - عليه السلام - سلَّم عليه، فقال الخضر: وأنَّى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك؛ لتعلِّمنِي ممَّا علِّمت رشداً.
فصل في بيان أن الخضر كان نبياً
قال أكثر المفسرين: إنَّه كان نبيًّا، واحتجوا بوجوهٍ:
الأول: قوله: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} والرحمة: هي النبوة؛ لقوله تعال {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] .
وقوله: {وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [القصص: 86] .
والمراد من هذه الرحمة النبوة، ولقائلٍ أن يقول: سلَّمنا أن النبوَّة رحمة، ولكن لا يلزمُ بكلِّ رحمةٍ نبوةٌ.
الثاني: قوله تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} وهذا يدل على أنه علمه لا بواسطة، ومن علَّمه الله شيئاً، لا بواسطة البشر، يجب أن يكون نبيًّا، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند الله، وذلك لا يدلُّ على النبوَّة.
الثالث: قول موسى - عليه السلام -: «هل أتَّبِعُك على أن تعلِّمنِي ممَّا علِّمتَ رُشداً» والنبي لا يتَّبع غير النبي في التعلُّم.
وهذا أيضاً ضعيفٌ؛ لأنَّ النبي لا يتبع غير النبي في العلوم التي باعتبارها صار نبيًّا، [أما في غير تلك العلوم فلا] .
الرابع: أنَّ ذلك العبد أظهر الترفُّع على موسى، فقال: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً} فأما موسى، فإنه أظهر التواضع له؛ حيث قال: {وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً} وذلك يدلُّ على أنَّ ذلك العالم كان فوق موسى، ومن لا يكون نبيًّا، لا يكون فوق النبيِّ، وذلك أيضاً ضعيفٌ؛ لأنه يجوز أن يكون غير النبيِّ فوق النبي في علومٍ لا تتوقَّف نبوته عليها.

الصفحة 529