كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

فإن قيل: إنه يوجبُ تنفيراً.
فالجواب: وتكليمه بغير واسطة يوجب التَّنفير.
فإن قالوا: هذا لا يوجبُ التنفير، فكذلك فيما ذكروه.
الخامس: احتجَّ الأصم بقوله: «وما فعلتهُ عن أمْرِي» أي: فعلته بوحي الله تعالى، وذلك يدلُّ على النبوة، وهذا ضعيف أيضاً.
روي أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا وصل غليه، فقال: السلام عليك، فقال: وعليك السلام، يا نبيَّ بني إسرائيل، فقال موسى: من عرَّفك هذا؟ قال: الذي بعثك إليَّ؛ وهذا يدلُّ على أنَّه إنما عرف ذلك بالوحي، والوحي لا يكون إلا إلى النبيِّ.
ولقائلٍ أن يوقل: لم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات؟ .
قال البغوي: ولم يكن الخضرُ نبيًّا عند أكثر أهل العلم.
قوله: {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً} أي: علم الباطن إلهاماً.
و «عِلْماً» : مفعول ثان ل «عَلَّمْناهُ» قال أبو البقاء: «ولو كان مصدراً، لكان تعليماً» يعني: لأنَّ فعله على «فعَّل» بالتشديد، وقياس مصدره «التَّفعيلُ» .
و «مِنْ لدُنَّا» يجوز أن يتعلق بالفعل قبله، أو بمحذوف على أنه حالٌ من «عِلْماً» .
قوله: (على أن تعلمني) : في موضع الحال من الكاف في «أتَّبِعُكَ» أي: أتَّبِعك [باذلاً لي علمكَ «.
قوله:» رُشْداً «مفعول ثان ل» تُعلِّمَنِي «لا لقوله:» ممَّا عُلِّمتَ «قال أبو البقاء:» لأنَّه لا عائد إذن على الذي «يعني أنه إذا تعدَّى لمفعول ثان غير ضمير الموصول، لم يجز أن يتعدَّى لضمير الموصول؛ لئلا يتعدَّى إلى ثلاثة، ولكن لا بدَّ من عائدٍ على الموصول.
وقد تقدَّم خلاف القراء في» رُشداً «في سورة الأعراف [الآية: 146] ، وهل هما بمعنى واحد أم لا؟ .
وقوله: رشداً» أي: علماً ذا رشدٍ.
قال القفَّال: قوله «رُشْداً» يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون «الرُّشْدُ» راجعاً إلى الخضرِ، أي: ممَّا علمك الله، وأرشدك به.
والثاني: أن يرجع إلى موسى، أي: على أن تعلِّمني، وتُرشِدني ممَّا علِّمت.

الصفحة 530