كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

قال ابن عبَّاس: إنَّه لم ينس، ولكنًَّه من معاريض الكلام، فكأنَّه نسي شيئاً آخر.
وقيل: معناه: بما تركت من عهدك، والنِّسيان التَّرك.
وروي عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال: «كانت الأولى من موسى نسياناً، والوسطى شرطاً، والثالثة عمداً» .
فصل في الرد على الطاعنين في عصمة الأنبياء
قال ابن الخطيب: احتجَّ الطَّاعنون في عصمة الأنبياءِ بهذه الآية من وجهين:
أحدهما: أنه ثبت بالدليل أن ذلك العالم كان نبيًّا، ثم قال موسى: «أخَرقتهَا، لتُغْرِقَ أهْلهَا» ، فإن صدق موصى في هذا القول، دلَّ ذلك على صدور الذَّنْب العظيم من ذلك النبيِّ، وإن كذب، دلَّ ذلك على صدور الذنب [العظيم] من موسى.
والثاني: أنه التزم أنَّه لا يعترض على ذلك العالمِ، وجرت العهود المذكورة بذلك، ثم إنَّه خالف تلك العهود، وذلك ذنبٌ.
فالجواب عن الأول: أن موسى، لما شاهد منه الأمر الخارج عن العادةِ، قال هذا لكلام، لا لأجل أنه اعتقد فيه أنه فعل قبيحاً، بل إنَّه أحبَّ أن يقف على وجهه وسببه، وقد يقال في الشيء العجيب الذي لا يعرف سببه: إنَّه إمرٌ.
وعن الثاني: أنَّه إنما خالف الشَّرط؛ بناءً على النِّسيان، ثم إنه تعالى حكى عن ذلك العالم أنَّه [لما خالف الشرط] لم يزد على أن قال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} ، فعندها اعتذر موسى بقوله: {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} أراد أنه نسي وصيَّته، ولا مؤاخذة على الناسي، {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} أي: لا تكلِّفني مشقَّة، يقال: أرهقهُ عسراً وأرهقته عسراً، أي: كلَّفتهُ ذلك. لا تضيِّق عليَّ أمري، لا تعسِّر متابعتك [ويسرها عليّ] بالإغضاء، وترك المناقشة، وعاملني باليسر، ولا تعاملني بالعسر.
و «عُسْراً» : مفعول ثانٍ ل «تُرهِقْنِي» من أرهقه كذا، إذا حمَّله إيَّاه، وغشَّاه به، و «ما» في «بِمَأ نسيتُ» مصدرية، أو بمعنى «الذي» والعائد محذوف.
وقرأ أبو جعفر: «عُسُراً» بضمِّ السين، حيث وقع.
قوله: {فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ} الآية.
اعلم أنَّ لفظ الغلام قد يتناول الشابَّ البالغ، وأصله من الاغتلامِ، وهو شدَّة

الصفحة 536