كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

كالرَّوْم في المعنى، يعني: أنه إتيان ببعض الحركة، وقد تقدَّم هذا محرَّراً في يوسف عند قوله {لاَ تَأْمَنَّا} [يوسف: 11] ، وفي قوله في هذه السورة «من لدنه» في قراءة شعبة أيضاً، وتقدَّم بحثٌ يعود مثله هنا.
وقرأ عيسى وأبو عمرو في رواية «عُذُراً» بضمتين، وعن أبي عمرو أيضاً «عذري» مضافاً لياءِ المتكلم.
و «مِنْ لدُنَّي» متعلق ب «بَلغْتَ» أو بمحذوف على أنَّه حال من «عُذْراً» .
فصل في معنى الآية
قال ابن عباس: معناه: أعذرت فيما بيني وبينك.
وقيل: حذَّرتني أنِّي لا أستطيع معك صبراً.
وقيل: اتَّضح لك العذر في مفارقتي.
والمراد أنَّه مدحه بهذه الطريقة من حيث إنَّه احتمله مرَّتين أولاً وثانياً.
روى ابن عبَّاس عن أبيِّ بن كعب، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «رَحْمَةُ الله عليْنَا، وعلى مُوسَى» وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بدأ بنفسه «لولا أنَّه عجَّل، لرأى العجب، ولكنَّه أخذته من صاحبه ذمامة، قال:» إنْ سألتُكَ عَن شيءٍ بعدها، فلا تُصَاحِبنِي، قَدْ بلغْتَ من لدُنِّي عُذْراً؛ فلو صبر، لرأي العجب «.
قوله: {فانطلقا حتى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ استطعمآ أَهْلَهَا} الآية.
قال ابن عباس: هي أنطاكية.
وقال ابن سيرين: هي [الأبلة] ، وهي أبعد الأرض من السَّماء وقيل: بَرْقَة.
وعن أبي هريرة: بلدة بالأندلس.
{استطعمآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا} قال أبي بن كعبٍ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: حتَّى إذا أتيا أهل قريةٍ لئاماً، فطافَا في المجلسِ فاستطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما.
وروي أنَّهما طافا في القرية، فاستطعماهم، فلم يطعموهما، فاستضافاهم، فلم يضيِّفوهما.

الصفحة 540