كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

قال قتادة: شرُّ القرى التي لا تضيِّف الضَّيف.
وروي عن أبي هريرة:» أطعمتهما امرأةٌ من أهل بربر بعد أن طلبا من الرِّجال، فلم يطعموهما؛ فدعوا لنسائهم، ولعنا رجالهم «.
قوله
: {استطعمآ
أَهْلَهَا} : جواب «إذا» أي: سألاهم الطام، وفي تكرير «أهلها» وجهان:
أحدهما: أنه توكيد من باب إقامة الظاهر مقام المضمر؛ كقوله: [الخفيف]
3552 - لا أرَى المَوْتَ يَسْبِقُ الموتَ شَيءٌ ... نَغَّص المَوْتُ ذَا الغِنَى والفَقِيرَا
وقول الآخر: [الكامل]
3553 - لَيْتَ الغُرابَ غَداةَ يَنْعُبُ دائماً ... كَانَ الغُرابُ مُقطَّعَ الأوْدَاجِ
والثاني: أنَّه للتأسيس؛ وذلك أنَّ الأهل المأتيِّين ليسوا جميع الأهل، إنما هم البعض؛ إذ لا يمكن أن يأتينا جميع الأهل في العادة في وقتٍ واحدٍ، فلما ذكر الاستطعام، ذكره بالنسبة غلى جميع الأهل، كأنهما تتبعا الأهل واحداً واحداً، فلو قيل: استطعماهم، لاحتمل أنَّ الضمير يعودُ على ذلك البعضِ المأتيِّ، دون غيره، فكرَّر الأهل لذلك.
فإن قيل: الاستطعام ليس من عادة الكرام، فكيف أقدم عليه موسى، مع أنَّ موسى كان من عادته طلبُ الطعام من الله تعالى، كما حكى عنه قوله: {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] .
فالجواب: أنَّ إقدام الجائع على الاستطعام أمرٌ مباحٌ في كلِّ الشرائع، بل ربَّما وجب عند خوف الضَّرر الشديد.
فإن قيل: إنَّ الضيافة من المندوبات، فتركها ترك المندوب، وذلك أمرٌ غير منكرِ، فكيف يجوز من موسى - عليه السلام - مع علوِّ منصبه أن يغضب عليهم الغضب الشديد الذي لأجله ترك العهد الذي التزمه مع ذلك العالم في قوله: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} .
وأيضاً مثل هذا الغضب لأجل ترك الأكل في ليلةٍ واحدةٍ، لا يليقُ بأدونِ الناس فضلاً عن كليم الله؟ .
فالجواب: أنَّ الضيافة قد تكون من الواجبات، بأن كان الضيف قد بلغ في الجوع إلى حيث لو لم يأكل، لهلك، وإذا كان كذلك، لم يكن الغضب الشديد لأجل ترك

الصفحة 541