كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

الأكل [ليلة] ، بل كان لأجل تركهم الواجب عليهم.
فإن قيل: إنه ما بلغ في الجوع إلى حدِّ الهلاك؛ بدليل أنَّه قال: {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} ، ولو كان بلغ في الجوع إلى حدِّ الهلاك، لما قدر على ذلك العمل، فكيف يصحُّ منه طلب الأجرة؟ .
فالجواب: لعلَّ ذلك الجوع كان شديداً، إلاَّ أنه ما بلغ حدَّ الهلاك.
قوله: «أنْ يُضيِّفُوهمَا» مفعولٌ به لقوله «أبَوْا» والعامة على التشديد من ضيَّفه يضيِّفه. والحسن وأبو رجاء وأبو رزين بالتخفيف من: أضافه يضيفه وهما مثل: ميَّله وأماله.
رُوِيَ أنَّ أهل تلك القرية، لمَّا سمعوا نزول هذه الآية، استحيوا، وجاءوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بحمل من الذَّهب، وقالوا: يا رسول الله، نشتري بهذا الذَّهب أن تجعل الباء تاء؛ حتى تصير القراءة «فأتوا أن يضيفوهما» ، أي: أتوا [لأجل أن] يضيِّفوهما، أي كان إتيانهم لأجل الضِّيافة، وقالوا: غرضنا منه أن يندفع عنَّا هذا اللُّؤم، فامتنع النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال: «تغير هذه النُّقطة يوجب دخول الكذب في كلام الله تعالى، وذلك يوجب القدح في الإلهيَّة.
قوله: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} أي: فرأيا في القرية حائطاً مائلاً.
وقوله: «أنْ ينْقَضَّ» مفعول للإرادة، و «انقضَّ» يحتمل أن يكون وزنه «انفعل» من انقضاضِ الطائر، أو من القضَّة، وهي الحصى الصِّغار، والمعنى: يريد أن يتفتَّت، كالحصى، ومنه طعام قَضَضٌ، إذا كان فيه حصى صغارٌ، وأن يكون وزنه «افْعَلَّ» ك «احمَرَّ» من النقض، يقال: نقض البناء ينقضه، إذا هدمه، ويؤيد هذا ما في حرف عبد الله وقراءة الأعمش «يُرِيدُ ليُنْقَضَ» مبنيًّا للمفعول؛ واللام كهي في قوله {يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} [النساء: 28] . وما قرأ به أبيٌّ «يُرِيدُ أن ينقض» بغير لامِ كيْ.
وقرأ الزهريُّ «أن ينقاضَ» بألف بعد القاف. قال الفارسي: «هو من قولهم قضته فانقاضَ» أي: هدمته، فانهدم. قال شهاب الدين: فعلى هذا يكون وزنه ينفعلُ، والأصل: «انْقيضَ» فأبدلت الياء ألفاً، ولمَّا نقل أبو البقاء هذه القراءة قال: «مثل:

الصفحة 542