كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

يَحمارُّ» ومقتضى هذا التشبيه: أن يكون وزنه «يفعالَّ» ونقل أبو البقاء: أنه قُرئ كذلك بتخفيف الضاد، قال: «هو من قولك: انقاضَ البناءُ، إذا تهدَّم» .
وقرأ عليٌّ أمير المؤمنين - كرَّم الله وجهه -، وعكرمة في آخرين «يَنقَاصُ» بالصاد مهملة، وهو من قاصه يقيصه، أي: كسره، قال ابن خالويه: «وتقول العرب: انقاصتِ السِّنُّ: إذا انشقَّت طولاً» وأنشد لذي الرّمّة:
3554 - ... ... ... ... ... . ..... ... ... . مُنقاصٌ ومُنْكثِبُ
وقيل: إذا تصدَّعتْ، كيف كان وأنشد لأبي ذؤيبٍ: [الطويل]
3555 - فراقٌ كقَيْصِ السنِّ، فالصَّبْرَ إنَّه ... لكلِّ أنَاسٍ عَثْرةٌ وجُبورُ
ونسبة الإرادة إلى الجدار مجازٌ، وهو شائع جدًّا.
وقد ورد في النَّثر والنَّظم، قال الشاعر: [الوافر]
3556 - يُرِيدُ الرُّمح صَدرَ أبِي بَراءٍ ... ويَرْغَبُ عنْ دِمَاءِ بنِي عَقيلٍ
والآية من هذا القبيل.
وكذا قوله: {وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} [الأعراف: 154] وقوله: {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: 11] ومن أنكر [المجاز] مطلقاً أو في القرآن خاصة، تأوَّل ذلك على أنه خُلق للجدارِ حياةٌ وإرادةٌ؛ كالحيوانات، أو أنَّ الإرادة صدرت من الخضرِ؛ ليحصل له، ولموسى ما ذكره من العجب.
وهو تعسفٌ كبيرٌ، وقد أنحى الزمخشري على هذا القائل إنحاءً بليغاً جدًّا.
قوله: «فأقَامهُ» قيل: [نقضه] ، ثم بناه، قاله ابن عبَّاس.
وقيل: مسحه بيده، فقام، واستوى، وذلك من معجزاته، هكذا ورد في الحديث. وهو قول سعيد بن جبير.
واعلم أن ذلك العالم، لمَّا فعل ذلك، كانت الحالة حالة اضطرارٍ إلى الطعام، فلذلك نسيَ موسى قوله: {إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي} فلا جرم قال: {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} ، أي: طلبت على إصلاحك الجدار جعلاً، أي لصرفه في تحصيل المطعوم؛ فإنك قد علمت أنَّا جياعٌ، وأنَّ أهل القرية لم يطعمونا، فعند ذلك قال الخضر: «هذا فراقُ بَيْنِي وبيْنكَ» .

الصفحة 543