كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

مِسْكين» . وقرأ عليٌّ أميرالمؤمنين - كرَّم الله وجهه - بتشديدها جمع «مسَّاك» وفيه قولان:
أحدهما: أنه الذي يمسكُ سكَّان السفينة، وفيه بعض مناسبة.
والثاني: أنَّه الذي يدبغُ المُسوكَ جمع «مَسْكٍ» بفتح الميم، وهي الجلود، وهذا بعيدٌ؛ لقوله: {يَعْمَلُونَ فِي البحر} قال شهاب الدين ولا أظنُّها إلا تحريفاً على أمير المؤمنين، و «يَعْملُونَ» صفة لمساكين.
قوله: {وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} «وَرَاء» هنا بمعنى المكان.
وقيل: «وَراءَهُمْ» بمعنى «أمَامَهُمْ» ؛ كقوله:
{مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم: 16] وقيل: «وَراءَهُمْ» خلفهم، وكان رجوعهم في طريقهم عليه. والأول أصحُّ؛ لقوله: {مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم: 16] ويؤيِّده قراءة ابن عباس: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلَّ سفينةٍ غصباً وقال سوارُ بن المضرِّب السعديُّ: [الطويل]
3559 - أيَرْجُو بنُو مَرْوانَ سَمْعِي وطَاعتِي ... وقَوْمِي تَميمٌ والفَلاةُ وَرائِيَا
وقال تعالى: {وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان: 27] وتحقيقه: أنَّ كلَّ ما غاب عنك، فقد توارى عنك وتواريت عنه، وقيل: إنَّ تحقيقه أنَّ ما غاب عنك، فقد توارى عنك، وأنت متوارٍ عنه، فكلُّ ما غاب عنك، فهو وراءك، وأمام الشيء وقدامه، إذا كان غائباً عنك، متوارياً عنك، فلم يبعد إطلاق لفظة «وراء» عليه، ويراد بها الزَّمان؛ قال الشاعر: [الطويل]
3560 - ألَيْسَ وَرائِي أنْ أدبَّ على العَصَا ... فَيأمَنَ أعْدائِي ويَسْأمنِي أهْلِي
وقال لبيد: [الطويل]
3561 - أليْسَ ورَائِي إنْ تَراخَتْ منيَّتِي ... لُزومُ العَصَا تُحْنَى عليْهَا الأصَابِعُ
قوله: «غَصْباً» فيه أوجه:
الأول: أنه مصدر في موضع الحال، أو منصوب على المصدر المبين لنوع الأخذ، أو منصوب على المفعول له، وهو بعيد عن المعنى، وادَّعى الزمخشري أنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً، فقال: «فإن قلت: قوله:» فأردتُّ أن أعيبها «مسبَّبٌ عن خوفه الغصب عليها، فكان حقه أن يتأخَّر عن السبب؛ فلمَ قُدِّم عليه؟ قلتُ: النيةُ به التأخيرُ؛ وإنما قدِّم للعناية به، ولأنَّ خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين، فكان بمنزلةِ قولك: زيدٌ ظنِّي مقيمٌ» .

الصفحة 545