كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

فصل
اعلم أنَّه قال: {فأردتُّ أن أعيبها} وقال: {فأردْنَا أن يبدلهما ربُّهما خيراً منهُ} ، وقال: {فأرَادَ ربُّك أن يبلُغا أشدَّهما} فاختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاثة، وهي كلها قضيَّة واحدة، وفائدة ذلك أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه، فقال: {فأرَدْتُ أن أعيبها} ولمَّا ذكر القتل، عبَّر عن نفسه بلفظِ الجمع تنبيهاً على أنَّه من العظماء في علوم الحكمة، فلم يقدم على هذا القتل إلاَّ لحكمةٍ عاليةٍ، ولمَّا ذكر رعاية صالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما اضافه إلى الله تعالى، لأنَّ المتكفِّل بمصالح الأبناء برعاية حقِّ الآباء ليس إلاَّ الله تعالى.
فصل
اختلفوا: هل الخضر حيٌّ أم لا؟ فقيل: إنَّ الخضر وإلياس حيَّان يلتقيان كلَّ سنةٍ بالموسم، قيل: وسبب حياته أنَّ ذا القَرنَيْنِ دخل الظلمات، لطلب عين الحياة، وكان الخضر على مقدِّمته، فوقع الخضر على عين الحياة، فنزل، واغتسل، وشرب، وقيل: وأخطأ ذو القرنين الطريق، فعاد.
وقيل: إنه ميتٌ، لقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد} [الأنبياء: 34] وقال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ بعدما صلى العشاءَ ليلة: «أرَأيْتكُمْ ليْلتَكُم هذه، فإنه على رأس مائة سنةٍ لا يبقى ممَّن هو اليوم على ظهر الأرضِ أحدٌ» ولو كان الخضر حيًّا، لكان لا يعيش بعده.
رُويَ أنَّ موسى لمَّا اراد أن يفارقه قال: أوصني، قال: لا تطلب العلم لتحدِّث به، واطلبه لتعمل به.

الصفحة 552