كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

الإسكندر على ممالك الفرس، وقصد الهند والصِّين، وغزا الأمم البعيدة، ورجع إلى «خراسان» وبنى المدن الكثيرة، ورجع إلى العراق، ومرض ب «شهرزور» ومات، فلما ثبت بالقرآن أن ذا القرنين كان رجلاً ملك الأرض أو ما يقرب منها، وثبت من التَّواريخ أن من هذا شأنه ماكان إلاَّ الإسكندر وجب القطعُ بأنَّ المراد بذي القرنين هو الإسكندر بن فيلبوس اليوناني.
قيل: وسمِّي بذي القرنين، لأنه ملك الرُّوم وفارس، وقيل: لأنه دخل النور والظلمة، وقيل: لأنه رأى في المنام كأنه أخذ بقرني الشَّمس، وقيل: لأنه كانت له ذؤابتان حسنتان، وقيل: لأنه كان له قرنان تواليهما العمامة.
وروى أبو الفضلِ عن عليّ أنه أمر قومهُ بتقوى الله، فضربوه على قرنه الأيمن، فمات، فبعثه الله، فأمرهم بتقوى الله، فضربوه على قرنه الأيسر، فمات فأحياه الله.
وقيل: كان لتاجه قرنان، وقيل: لأنه انقرض في وقته قرنان من الناس، وقيل: لأن الله سخر له النُّور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه، وتمتد الظلمة من ورائه.
فروي أن ذا القرنين أمر ببناء مدنٍ كثيرةٍ منها: «الدبوسية» و «حمدان» و «برج الحجارة» ، ولما بلغ «الهند» بنى مدينة «سرنديب» وأن أرباب الحساب قالوا له: إنَّك لا تموتُ إلا على أرض من حديدٍ، وسماه من خشب، وكان يدفن كنوز كلِّ بلدٍ فيها، ويكتب ذلك معه بصفته وموضعه، فبلغ «بابل» ، فرعف، فسقط عن دابَّته، فبسطت له دروع فنام عليها، فآذته الشمس، فأظلوه بتُرسٍ، فنظر وقال: هذه أرضٌ من حديدٍ وسماء من خشبٍ، فأيقن بالموت، فمات وهو ابنُ ألف سنة وثلاثمائة سنة.
وقال أبو الرَّيحان البيروني في كتابه المسمَّى ب «الآثار الباقية عن القرون الخالية» : قيل: إنَّ ذا القرنين هو أبو كربٍ سُمَيُّ بن عبرين بن أقريقيش الحميريّ، وأنَّ ملكهُ بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وهو الذي افتخر به أحد الشعراء من حمير: [الكامل]
قَدْ كَانَ ذُو القَرنيْنِ قَبْلي مُسْلِماً ... مَلِكاً عَلا فِي الأرْضِ غير مُفَنَّدِ
بلغَ المشارِقَ والمغارِبَ يَبتَغِي ... أسْبابَ ملكٍ من كَرِيم سيِّدِ
ثم قال أبو الريحان: ويشبهُ أن يكون هذا القول أقرب، لأن الأذواء كانوا من اليمن، وهم الذين لا يخلون أساميهم من «ذي كذا» المنار، و «ذي نواس» ، و «ذي النُّون» ، و «ذي رعين» والقول الأول أظهر، لما تقدم من الدليل، ولأنه روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ

الصفحة 554