كتاب اللباب في علوم الكتاب (اسم الجزء: 12)

قال ابن جريج: مدينة لها اثنا عشر ألف باب، لولا ضجيج أهلها لسمعت وجبة الشمس حين تجبُ.
قوله: {قُلْنَا ياذا القرنين} يدل على أنه تعالى كلمه من غير واسطة، وذلك يدل على أنه كان نبيًّا، فإن قيل: خوطب على ألسنة بعض الأنبياء، فهو عدولٌ عن الظاهر.
وقال بعضهم: المراد منه الإلهام.
قوله: {إِمَّآ أَن تُعَذِّبَ} .
يجوز فيه الرفع على الابتداء، والخبر محذوف، أي: إمَّا تعذيبك واقعٌ، والرفع على خبر مضمرٍ، أي: هو تعذيبك، والنصب اي: إمَّا أن تفعل أن تعذِّب.
وهذا يدلُّ على أنَّ سكَّان آخر المغرب، كانوا كفاراً، فخيَّر الله ذا القرنين فيهم بين التعذيب، إن أقاموا على الكفر، وبين المنِّ عليهم، والعفو عنهم، وهذا التخيير على معنى الاجتهاد في أصلح المرين، كما خيَّر نبيه - محمداً عليه الصلاة والسلام - بين المنِّ على المشركين، وبين قتلهم.
وقال الكثرون: هذا التعذيب هو القتل، وأمَّا اتِّخاذ الحسنى فيهم، فهو تركهم أحياء.
ثم قال ذو القرنين: {أَمَّا مَن ظَلَمَ} أي: ظلم نفسه؛ بمعنى «كفر» لأنَّه ذكر في مقابلته: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ} ثم قال: {فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} أي بقتله {ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ} في الآخرة {عَذَاباً نُّكْرا} أي: منكراً فظيعاً.
وهو النار، والنار أنكر من القتل.
قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الحسنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً} .
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الحسنى} الآية.
قوله: {جَزَآءً الحسنى} قرأ الأخوان، وحفص بنصب «جزاءً» وتنوينه، والباقون برفعه مضافاً، فالنصب على المصدر المؤكِّد لمضمون الجملة، أو بنصب بمضمرٍ، أو مؤكدٍ لعامل من لفظه مقدَّر، أي: يجزي جزاء، وتكون الجملة معترضة بين المبتدأ وخبره المقدَّم عليه، وقد يعترض على الأول: بأنَّ المصدر المؤكِّد لمضمون جملة لا يتقدَّم عليها، فكذا لا يتوسَّطُ، وفيه نظر يحتمل الجواز والمنع، وهو إلى الجواز أقرب.
الثالث: أنه في موضع الحال.
الرابع: نصبه على التفسير، قاله الفراء؛ يعني التمييز، وهو بعيد.
وقرأ ابن عباس، ومسروق بالنصب والإضافة، وفيها تخريجان:

الصفحة 558