كتاب المحلى بالآثار (اسم الجزء: 12)

خِلَافُ إجْمَاعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَخِلَافُ الدِّينِ، وَخِلَافُ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ هُوَ مُسْتَطِيعٌ عَلَى أَنْ يَدْرَأَ كُلَّ حَدٍّ يَأْتِيهِ فَلَا يُقِيمُهُ
فَبَطَلَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ هَذَا اللَّفْظُ وَسَقَطَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا
وَأَمَّا اللَّفْظُ الْآخَرُ فِي ذِكْرِ الشُّبُهَاتِ؟ فَقَدْ قُلْنَا: " ادْرَءُوا " لَا نَعْرِفُهُ عَنْ أَحَدٍ أَصْلًا، إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا يَجِبُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، ثُمَّ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إلَى اسْتِعْمَالِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا هِيَ تِلْكَ " الشُّبُهَاتِ " فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ بِهِ حَدًّا " هَذَا شُبْهَةٌ " إلَّا كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ بِشُبْهَةٍ، وَلَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ فِي شَيْءٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُسْقِطَ بِهِ حَدًّا: لَيْسَ هَذَا شُبْهَةً، إلَّا كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقُولَ: بَلْ هُوَ شُبْهَةٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، إنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلَا سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا مَعْقُولٌ، مَعَ الِاخْتِلَاطِ الَّذِي فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَإِنْ شَغَبَ مِشْغَبٌ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ فَمَنْ تَرَكَ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكُ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ» فَإِنَّ هَذَا صَحِيحٌ، وَبِهِ نَقُولُ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الْمَرْءِ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَدْرِ مَا حُكْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الَّذِي لَهُ تَعَبَّدْنَا بِهِ، وَهَذَا فَرْضٌ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ
وَهَكَذَا نَقُولُ: إنَّ مَنْ جَهِلَ - أَحَرَامٌ هَذَا الشَّيْءُ أَمْ حَلَالٌ؟ فَالْوَرَعُ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ، وَمَنْ جَهِلَ أَفَرْضٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ فَرْضٍ؟ فَحُكْمُهُ أَنْ لَا يُوجِبَهُ، وَمَنْ جَهِلَ أَوَجَبَ الْحَدُّ أَمْ لَمْ يَجِبْ؟ فَفَرْضُهُ أَنْ لَا يُقِيمَهُ، لِأَنَّ الْأَعْرَاضَ وَالدِّمَاءَ حَرَامٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ

الصفحة 60