كتاب تاريخ بغداد وذيوله ط العلمية (اسم الجزء: 12)

قَالَ: أحسنت وَاللَّه، يا غلام اكسه وادفع إليه مائة درهم. فقال: مره أعزك اللَّه أن يدفع إلى خمسة منها ويحفظ الباقي لي، قَالَ: ولم؟ قَالَ لئلا تسرق مني أو يشتغل قلبي بحفظها. قَالَ يا غلام ادفع إليه كلما جاءك خمسة دراهم إلى أن يفرق بيننا الموت قَالَ فبكى جعيفران، فقال له أَحْمَد بْن يوسف ما يبكيك؟ فقال:
يموت هذا الذي تراه ... وكل شيء له نفاد
لو كان شيء له خلود ... عمر ذا المفضل الجواد
أَخْبَرَنِي الحسن بْن مُحَمَّد الخلال، حدّثنا أحمد بن إبراهيم البزّاز، حدّثنا أحمد بن مروان المالكيّ- بمصر- حدّثنا الحسن بن عليّ الربعي، حَدَّثَنَا أبي قَالَ: سمعت العتابي يقول: اجتمعنا على باب أبي دلف جماعة من الشعراء، فكان يعدنا بأمواله من الكرج وغيرها، فأتته الأموال فبسطها على الأنطاع، وأجلسنا حولها ودخل إلينا فقمنا إليه فأومأ إلينا أن لا نقوم إليه، ثم اتكأ على قائم سيفه ثم أنشأ يقول:
ألا أيها الزوار لا يد عندكم ... أياديكم عندي أجل وأكبر
فإن كنتمو أفردتموني للرجا ... فشكري لكم من شكركم لي أكثر
كفاني من مالي دلاص وسابح ... وأبيض من صافي الحديد ومغفر
ثم أمر بنهب تلك الأموال فأخذ كل واحد على قدر قوّته.
أخبرني الأزهري، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن، حدّثنا أحمد بن مروان المالكيّ، حدّثنا المبرد، حَدَّثَنَا أَبُو عبد الرحمن التوزي قَالَ: استهدى المعتصم من أبي دلف كلبا أبيض كان عنده، فجعل في عنقه قلادة كيمخت أخضر وكتب عليها:
أوصيك خيرا به فإن له ... خلائقا لا أزال أحمدها
يدل ضيفي على في ظالم اللي ... ل إذا النار نام موقدها
أَخْبَرَنَا أَبُو يعلى أَحْمَد بن عبد الواحد الوكيل، أخبرنا محمّد بن جعفر التّميميّ الكوفيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الصولي قَالَ: تذاكرنا يوما عند المبرد الحظوظ وأرزاق الناس من حيث لا يحتسبون، قَالَ: هذا يقع كثيرا، فمنه قول ابن أبي فتن في أبيات عملها لمعنى أراده:
مالي ومالك قد كلفتني شططا ... حمل السلاح وقول الدار عين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلا ... أمسي وأصبح مشتاقا إلى التلف
يمشي المنون إلى غيري فأكرهها ... فكيف أسعى إليها بارز الكتف
أم هل حسبت سواد الليل شجعني ... أو أن قلبي في جنبي أبي دلف

الصفحة 415