وهذا خلاف قولهم، فإن قالوا: ما قرب منها أفضل مما بعد. قلنا: فلزمكم أن تقولوا: الجحفة ووادي القرى وخيبر أفضل من مكة؛ لأنها أقرب من تلك الروضة إلى مكة، وهذا لا يقولونه.
وقد روينا من طريق النسائي من حديث عطاء بن السائب عن ابن جبير، عن ابن عباس يرفعه: "إن الحجر الأسود من الجنة" (¬1) فهذا بمكة كالذي بالمدينة أنه في كل منهما شيء من الجنة.
واحتجوا أيضًا بقوله: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" (¬2) وتأولوه أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من مكة بدون "ألف". وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء؛ لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة، وكلاهما محتمل.
¬__________
(¬1) "سنن النسائي" 5/ 226 ومن هذا الطريق ورواه أيضًا الترمذي (877) كتاب: الحج، باب: بما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام، وأحمد 1/ 307، 329، 373، وابن عدي 3/ 55، والبيهقي في "الشعب" 3/ 45 (4034)، والخطيب 7/ 362. بلفظ: "نزل الحجر الأسود من الجنة، أشد بياضًا من الثلج فسودته خطايا بني آدم". قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وعنده: اللبن، مكان: الثلج، قال الألباني في "الصحيحة" 6/ 230: هو شاذ عندي لمخالفته للفظ الجماعة.
وصحح الحديث أيضًا ابن خزيمة 4/ 219 (2733)، وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 462: فيه عطاء بن السائب وهو صروم، ولكنه اختلط، وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط.
قلت: حماد بن سلمة هو راويه هنا عن عطاء. وصححه الألباني في "الصحيحة" (2618).
(¬2) سلف برقم (1190) كتاب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ورواه مسلم (1394) كتاب: الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة.