كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 12)

وفي رواية للبخاري في المغازي: "تنفي الذنوب" (¬1)، وفي رواية: "وأنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الحديد" (¬2) وكان هذا الأعرابي من المهاجرين كما قاله بعض العلماء (¬3)، فأراد أن يستقيل النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة فقط، ولم يرد أن يستقيله في الإسلام، فأبى - صلى الله عليه وسلم - من ذلك في الهجرة؛ لأنها عون على الإثم، وكان ارتدادهم عن الهجرة من أكبر الكبائر، ولذلك دعا لهم - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولاتردهم على أعقابهم" (¬4) ويحتمل كما قال القاضي أن بيعته كانت بعد الفتح وسقوط الهجرة إليه، وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة ولم يقله (¬5).
وفيه من الفقه:
أن من عقد على نفسه أو على غيره عقدًا لله فلا ينبغي له حله؛ لأن في حله خروجًا عما عقد، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ} [المائدة: 1] والدليل على أنه لم يطلب الارتداد عن الإسلام أنه لم يرد حل ما عقده إلا بموافقة الشارع على ذلك، ولو كان
¬__________
(¬1) سيأتي برقم (4050) باب: غزوة أحد.
(¬2) سيأتي برقم (4589) كتاب: التفسير، باب: قوله: {فَمَا لَكُمْ فِي المُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} [النساء: 88].
(¬3) قال الحافظ في "الفتح" 4/ 97: لم أقف على اسمه، إلا أن الزمخشري ذكر في "ربيع الأبرار" أنه قيس بن أبي حازم، وهو مشكل؛ لأنه تابعي كبير مشهور صرحوا بأنه هاجر فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قد مات، فإن كان محفوظًا فلعله آخر وافق اسمه واسم أبيه، وفي "الذيل" لأبي موسى: في الصحابة قيس بن أبي حازم المنقري، فيحتمل أن يكون هو هذا أهـ. وقال هذا الكلام بنصه العيني في "عمدة القاري" 8/ 436.
(¬4) سلف برقم (1295)، ورواه مسلم (1628).
(¬5) "إكمال المعلم" 4/ 500.

الصفحة 561