كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)
أصحاب طاهر، فازدادوا جِدًّا في محاربته ونفورًا منه.
فذكر أحمد بن هشام أنه لم يكن وَرَد عليهم الكتاب من المأمون، بأن تسمى
بالخلافة، إذ التقيا - وكان أحمد على شُرْطة طاهر - فقلت لطاهر: قد ورد عليّ بن عيسى فيمن ترى، فإن ظهرنا له، فقال: أنا عامل أمير المؤمنين وأقرْرنا له بذلك، لم يكن لنا أن نحاربه. فقال لي طاهر: لم يجئني في هذا شيء، فقلت: دَعْني وما أريد، قال: شأنَك، قال: فصعدت المنبر، فخلعت محمدًا، ودعوت للمأمون بالخلافة، وسرنا من يومنا أو من غدٍ يوم السبت، وكان ذلك في شعبان سنة خمس وتسعين ومائة، فنزلنا قسْطَانَة، وهي أوّل مرحلة من الرّيّ إلى العراق. وانتهى عليّ بن عيسى إلى برّية يقال لها مشكوية، وبيننا وبينه سبعة فراسخ، وجعلنا مقدمتنا على فرسخين من جنده. وكان عليّ بن عيسى ظنّ أن طاهرًا إذا رآه يسلم إليه العمل، فلما رأى الجِدّ منه، قال: هذا موضع مفازة، وليس [موضع مقام]. فأخذ يساره إلى رُستاق يقال له رستاق بني الرازيّ، وكان معنا الأتراك، فنزلنا على نهر، ونزل قريبًا منا، وكان بيننا وبينه دكادك وجبال، فلمّا كان في آخر الليل جاءني رجل فأخبرني أن عليّ بن عيسى دخل الرّيّ - وقد كان كاتَبهم فأجابوه - فخرجتُ معه إلى الطريق، فقلت له: هذا طريقهم، وما هنا أثر حافر، وما يدلّ على أنه سار. وجئت إلى طاهر فأنبهته، فقلت له: تصلي؟ قال: نعم، فدعا بماء فتهيأ، فقلت له: الخبر كيت وكيت. وأصبحنا، فقال لي: تركب. فوقفنا على الطريق، فقال لي: هل لك أن تجوز هذه الدكادك؟ فأشرفنا على عسكر عليّ بن عيسى وهم يلبسون السلاح، فقال: ارجع، أخطأنا، فرجعنا فقال لي: أخرج أصحابنا.
قال: فدعوت المأمونيّ والحسن بن يونس المحاربيّ والرستميّ، فخرجوا جميعًا، فكان علي الميمنة المأمونيّ، وعلى الميسرة الرستمّي ومحمد بن مصعب. قال: وأقبل عليّ في جيشه، فامتلأت الصحراء بياضًا وصُفرة من السلاح والمذهب، وجعل على ميمنته الحسين بن عليّ ومعه أبو دُلف القاسم بن عيسى بن إدريس، وعلى ميسرته آخر، وكرُّوا، فهزمونا حتى دخلوا العسكر، فخرج إليهم الساعة السَّوْعاء فهزموهم.
قال: وقال طاهر لما رأى عليّ بن عيسى: هذا ما لا قِبَل لنا به، ولكن نجعلها
الصفحة 37
522