كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)
وذكر أن محمدًا لما بعث إلى المأمون في البيعة لابنه موسى، ووجه الرّسل إليه في ذلك، كتب المأمون جواب كتابه:
أما بعد، فقد انتهى إليَّ كتاب أمير المؤمنين منكرًا لإبائي منزلة تَهَضَّمني بها، وأرادني على خلاف ما يعلم من الحقّ فيها، ولعمري أن لو ردَّ أمير المؤمنين الأمر إلى النّصَفة فلم يطالب إلَّا بها، ولم يوجب نكرة على تركها، لانبسطت بالحجة مطالعُ مقالته، ولكنتُ محجوجًا بمفارقة ما يجب من طاعته، فأما وأنا مذعِنٌ بها وهو على ترك إعمالها، فأولى به أن يُديرَ الحقّ في أمره، ثم يأخذ به، ويعطي من نفسه، فإن صرتُ إلى الحقّ فرّغتُ عن قلبه، وإن أبَيتُ الحقّ قام الحقّ بمعذرته. وأمّا ما وعد من برّ بطاعته، وأوعَدَ من الوطأة بمخالفته، فهل أحدٌ فارق الحق في فعله فأبقى للمستبين موضع ثِقة بقوله! والسلام.
قال: وكتب إلى عليّ بن عيسى لما بلغه ما عزم عليه:
أما بعد، فإنك في ظلّ دعوة لم تزل أنت وسلَفُك بمكان ذب عن حريمها وعلى العناية بحفظها ورعاية لحقها، توجبون ذلك لأئمتكم، وتَعتصمون بحبل جماعتكم، وتعطونَ بالطّاعة من أنفسكم، وتكونون يدًا على أهل مخالفتكم، وحزبًا وأعوانًا لأهل موافقتكم، تؤثرونهم على الآباء والأبناء، وتتصرّفونَ فيما تصرّفوا فيه من منزلة شديدة ورجاء، لا ترون شيئًا أبلغ في صلاحكم من الأمر الجامع لأُلفتكم، ولا أحرى لبواركم مما دعا إلى شتات كلمتكم، ترون مَنْ رغب عن ذلك جائرًا عن القَصْد وعن أمّه على منهاج الحق، ثم كنتم على أولئك سيوفًا من سيوف نِقَم الله، فكم من أولئك قد صاروا وديعة مَسْبَعة، وجَزَرًا جامدة، قد سَفَت الرياحُ في وجهه، وتداعتِ السباعُ إلى مَصْرعه، غير ممهد ولا موسّد قد صار إلى أمّة، وغير عاجل حظه، ممن كانت الأئمة تنزلكم لذلك، بحيث أنزلتم أنفسكم، من الثقة بكم في أمورها، والتقدمة في آثارها، وأنت مستشعر دون كثير من ثقاتها وخاصّتها، حتى بلغ الله بك في نفسك أنْ كنت قريع أهل دعوتِك، والعلم القائم بمعظم أمر أئمتك، إن قلت: ادنوا دنوْا وإن أشرتَ: أقبِلوا أقبَلوا وإن أمسكت وقفُوا وأقرّوا، وئامًا لك واستنصاحًا، وتزدادُ نعمة مع الزّيادة في نفسك، ويزدادون نعمة مع الزيادة لك بطاعتك، حتى حللتَ
الصفحة 43
522