كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)
العدل، وقليلٌ ما يأنس بأهل بيته، وأنت أخوه وشقيقه، وقد فزع إليك في أموره، وأمّلك للموازنة والمكانفة، ولسنا نستبطئك في برّه اتّهامًا لنصرك له، ولا نحضّك على طاعة تخوّفًا لخلافك عليه، وفي قدومك عليه أنسٌ عظيم، وصلاح لدولته وسلطانه، فأجب أيّها الأمير دعوةَ أخيك وآثرْ طاعَته، وأعنه على ما استعانك عليه في أمره، فإن في ذلك قضاءَ الحقّ، وصلة الرَّحِم، وصلاحَ الدولة، وعزّ الخلافة، عزم الله للأمير على الرشد في أموره، وجعل له الخِيرَةَ والصلاح في عواقب رأيه.
وتكلَّم عيسى بن جعفر بن أبي جعفر، فقال: إنّ الإكثار على الأمير - أيده الله - في القول خرقٌ، والاقتصاد في تعريفه ما يجب من حقّ أمير المؤمنين تقصير، وقد غاب الأمير أكرمه الله عن أمير المؤمنين، ولم يستغنِ عن قربه، ومَنْ شهد غيره من أهل بيته فلا يجد عنده غناءً، ولا يجد منه خلفًا ولا عوضًا، والأمير أولى مَن بَرّ أخاه، وأطاع إمامه، فليعمل الأمير فيما كتب به إليه أميرُ المؤمنين، بما هو أرضَى وأقربُ من موافقة أمير المؤمنين ومحبّته، فإنّ القدوم عليه فضل وحظ عظيم، والإبطاء عنه وكْفٌ في الدّين، وضرر ومكروه على المسلمين.
وتكلم محمد بن عيسى بن نَهيك، فقال: أيها الأمير، إنا لا نزيدك بالإكثار والتطويل فيما أنت عليه من المعرفة بحقّ أمير المؤمنين، ولا تَشحذ نيتّك بالأساطير والخطب فيما يلزمُك من النَّظر والعناية بأمور المسلمين. وقد أعوز أميرَ المؤمنين الكفاة والنَّصحاء بحضرته، وتناولك فزعًا إليك في المعونة والتقوية له على أمره، فإن تُجب أميرَ المؤمنين فيما دعاك فنعمة عظيمة تَتلافى بها رعيَّتَك وأهل بيتك، وإن تقعد يغن الله أميرَ المؤمنين عنك، ولن يضعه ذلك مما هو عليه من البرّ بك والاعتماد على طاعتك ونصيحتك.
وتكلم صاحب المصلى، فقال: أيّها الأمير، إن الخلافة ثقيلة والأعوان قليل، ومَنْ يكيد هذه الدولة وينطوي على غشها والمعاندة لأوليائها من أهل الخلاف والمعصية كثير، وأنت أخو أمير المؤمنين وشقيقُه، وصلاح الأمور وفسادها راجعٌ عليك وعليه، إذ أنت وليّ عهده، والمشارك في سلطانه وولايته، وقد تناولك أمير المؤمنين بكتابه، ووثق بمعاونتك على ما استعانك
الصفحة 49
522