كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)

فقال: أيها الأمير، أنظرني في يومي هذا أغدُ عليك برأي، فبات يدبّر الرأي ليلتَه، فلما أصبح غدًا عليه، فأعلمه أنه نظر في النّجوم فرأى أنه سيغلبه، وأنّ العاقبة له. فأقام عبد الله بموضعه، ووطّن نفسه على محاربة محمد ومناجزته (١) فلمّا فرغ عبد الله مما أراد إحكامَه من أمر خراسان، كتب إلى محمد:
لعبد الله محمد أمير المؤمنين من عبد الله بن هارون، أما بعد، فقد وصل إليّ كتاب أمير المؤمنين، وإنما أنا عامل من عمَالِه وعون من أعوانه، أمرني الرّشيد صلوات الله عليه بلزوم هذا الثَّغْر، ومكايدة من كايد أهله من عدوّ أمير المؤمنين، ولعمري إن مقامي به، أردّ على أمير المؤمنين وأعظم غناءً عن المسلمين من الشخوص إلى أمير المؤمنين، وإن كنتُ مغتبطًا بقربه، مسرورًا بمشاهدة نعمة الله عنده، فإن رأى أن يقرّني على عملي، ويعفيَني من الشخوص إليه، فعل إن شاء الله. والسلام.
ثم دعا العباس بن موسى وعيسى بن جعفر ومحمدًا وصالحًا، فدفع الكتاب إليهم، وأحسن إليهم في جوائزهم، وحمل إلى محمد ما تهيّأ له من ألطاف خراسان، وسألهم أن يحسِّنوا أمره عنده، وأن يقوموا بعذره (٢).
---------------
(١) لعل الفضل بن سهل كان صاحب نظر في النجوم لا ندري ولا نستطيع أن نثبت ذلك إلا أن الذي تأكد لدى من له أدنى خبرة بالأخبار وكتب التراجم أن المأمون كان من رواة الحديث ملمًا بالعلوم الإسلامية محبًا للعلماء ولم يكن يخفى عليه حرمة التصديق بالمنجمين ويبدو أن الطبري لم يكن واثقًا من صحة الخبر فقال في بدايته: ويقال: بصيغة التمريض وبلا إسناد.
(٢) هذا الخبر والأخبار (٤٦) و (٤٧) لها ما يؤيدها عند أبي حنيفة الدينوري إذ ذكر الخبر مختصرًا دون ذكر خطبة كل واحد منهم وإنما قال: فذكروا حاجة أمير المؤمنين إليه وما يرجو في قربه من بسط المملكة والقوة على العدو فأبلغوا في مقالتهم وأمر المأمون بإنزالهم وإكرامهم.
ولما جَنَّ عليه الليل بعث إلى الفضل بن سهل، وكان أخصّ وزرائه عنده.، وأوثقهم في نفسه، وقد كان جَرّبَ منه وَثاقَةَ رَأْي وَفَضل حَزْمٍ، فلما أتاه خَلَا به، وأقرأه كتاب محمد، وأخبره بما تكلْم به الوفد من أمر التَّحْضيِض على المسير إلى أخيه ومعاونته على أمره.
قال الفضل: ما يريد بك خيرًا، وما أرَضى لك إلا الامتناع عليه.
قال المأمون: فكيف يمكنني الامتناع عليه، والرجال والأموال معه، والناس مع المال؟
قال الفضل: أَجِّلْني ليلتي هذه لآتيَك غدًا بما أرى إلى آخر الخبر.
وأن المأمون أحسن صلاتهم وجوائزهم وكتب معهم رسالة إلى أخيه الأمين ونصها:
"أمّا بعد، فإن الإِمام الرشيد وَلّانِي هذه الأرض على حين كَلَبٍ من عدوّها، ووَهْيٍ من =

الصفحة 52