كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)
قال سفيان بن محمد: لما قرأ محمد كتاب عبد الله، عرف أنّ المأمون لا يتابعه على القدوم عليه، فوجّه عصمة بن حماد بن سالم صاحب حَرَسه، وأمره أن يقيم مسلحةً فيما بين هَمَذان والرّيّ، وأن يمنع التجار من حَمْل شيء إلى خراسان من المِيرة، وأن يفتِّش المارّة، فلا يكون معهم كتب بأخباره وما يريد، وذلك سنة أربع وتسعين ومائة. ثم عزم على محاربته، فدعا عليّ بن عيسى بن ماهان، فعقد له على خمسين ألف فارس ورجل من أهل بغداد، ودفع إليه دفاتر الجند، وأمره أن ينتقيَ ويتخيَر من أراد على عينه، ويخصّ من أحبَّ ويرفع من أراد إلى الثمانين، وأمكنه من السلاح وبيوت الأموال، ثم وُجِّهوا إلى المأمون.
فذكر يزيد بن الحارث، قال: لما أراد عليّ الشخوص إلى خُراسان ركب إلى باب أم جعفر، فودّعها، فقالت: يا عليّ، إنّ أمير المؤمنين وإن كان ولدِي، إليه تناهت شفقتي، وعليه تكامل حَذري، فإني على عبد الله منعطفة مشفقة، لما يحدُث عليه من مكروه وأذىً، وإنما ابني ملك نافس أخاه في سلطانه، وغاره على ما في يده، والكريم يأكل لحمه ويمنعه غيره، فأعرف لعبد الله حقَّ والده وإخوته، ولا تجبِّهه بالكلام، فإنك لست نظيره، ولا تقتسره اقتسار العبيد، ولا ترهقه بقيْد ولا غُلّ، ولا تمنع منه جارية ولا خادمًا، ولا تعنِّف عليه في السير، ولا تساوه في المسير، ولا تركب قَبْله، ولا تستقلّ على دابتك حتى تأخذ بركابه، وإن شتمك فاحتمل منه، وإن سَفه عليك فلا ترادّه. ثم دفعتْ إليه قيْدًا من فضة، وقالت: إن صار في يدك فقيِّده بهذا القيد. فقال لها: سأقبل أمرَكِ، وأعمل في ذلك بطاعتك (١).
---------------
= سَدّها، وضَعْفٍ من جنودها، ومتى أخللتُ بها، أو زُلْتُ عنها لم آمن انتقاض الأمور فيها، وغَلَبَة أعدائها عليها، بما يصل ضرره إلى أمير المؤمنين حيثُ هو، فرأي أمير المؤمنين في أن لا ينقض ما أبْرَمَه الإمام الرشيد".
وسار القوم بالكتاب حتى وافُوا به الأمين، وأوْصَلُوا الكتاب إليه. [الأخبار الطوال/ ٣٩٥].
(١) لهذا الخبر ما يؤيده عند أبي حنيفة الدينوري إذ قال:
وقد كانت زُبَيدة تقدّمت إلى علي بن عيسى، وكان إياها مودّعا، فقالت له:
- إن محمدًا، وإن كان ابني وثمرة فؤادي، فإن لعبد الله من قلبي نصيبًا وافرًا من المحبّة، =
الصفحة 53
522