كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)

والمسير، وقال لأصحابه: إنّ نهاية القوم الرّيّ، فلو قد صيّرْناها خلف ظهورنا فَتّ ذلك في أعضادهم، وانتشر نظامهم، وتفرّقت جماعتهم. ثم أنفذ الكتبَ إلى ملوك الديْلم وجبال طَبرِستان وما والاها من الملوك، يَعِدُهم الصِّلات والجوائز. وأهدى إليهم التِّيجان والأسورة والسيوفَ المحلّاة بالذهب، وأمرهم أن يقطعوا طريق خراسان، ويمنعوا مَن أراد الوصول إلى طاهر من المدد، فأجابوه إلى ذلك، وسار حتى صار في أول بلاد الرّيّ، وأتاه صاحب مقدّمته، فقال: لو كنتَ - أبقى الله الأمير - أذكيت العيون، وبعثت الطلائع. وارتدْتَ موضعًا تعسكر فيه، وتتخذ خندقًا لأصحابك يأمنون به، كان ذلك أبلَغ في الرأي، وآنس للجند، قال: لا، ليس مثل طاهر يُستعدّ له بالمكايد والتحفظ، إن حال طاهر تؤول إلى أحد أمرين: إما أن يتحصّن بالرّيّ فيبيّته أهلها فيكفوننا مؤنته، أو يخليها ويدبر راجعًا لو قربت خيولنا وعساكرنا منه. وأتاه يحيى بن عليّ، فقال: اجمع متفرّقَ العسكر، واحذر على جندك البيات، ولا تسرِّح الخيل إلَّا ومعها كنْف من القوم، فإنْ العساكر لا تساس بالتّواني، والحروب لا تُدبّر بالاغترار، والثقة أن تحترز، ولا تقلْ: إن المحارب لي طاهر، فالشرارة الخفيّة ربما صارت ضُرامًا، والثلمة من السيل ربما اغتر بها وتُهُوّن فصارت بحرًا عظيمًا، وقد قربت عساكرنا من طاهر، فلو كان رأيهُ الهرب لم يتأخر إلى يومه هذا. قال: اسكت، فإن طاهرًا ليس في هذا الموضع الذي تَرى، وإنما تَتَحفّظ الرجال إذا لقيتْ أقرانها، وتستعدّ إذا كان المناوئ لها أكفاءها [ونظراءها] (١).
وذكر عبد الله بن مجالد، قال: أقبَل عليّ بن عيسى حتى نزل من الرّيّ على عشرة فراسخ، وبها طاهر قد سدّ أبوابها، ووضع المسالح على طُرُقها، واستعدّ لمحاربته، فشاور طاهرٌ أصحابه، فأشاروا عليه أن يقيمَ بمدينة الريّ، ويدافع القتال ما قَدَر عليه إلى أن يأتيَه من خُراسان المدد من الخيل، وقائد يتولى الأمر دونه، وقالوا: إن مقامك بمدينة الري أرفقُ بأصحابك، وأقدر لهم على الميِرة، وأكنّ من البَرْد، وأحْرَى إن دَهَمك قتال أن يعتصموا بالبيوت، وتقوى على المماطلة والمطاولة، إلى أن يأتيَك مدد، أو ترِدَ عليك قُوّة من خلفك. فقال طاهر: إنّ الرأي ليس ما رأيتم، إنّ أهل الريّ لعليّ هائبون، ومن معرّته وسطوته
---------------
(١) انظر تعليقنا (٨/ ٤١١/ ٥٤).

الصفحة 56