كتاب صحيح وضعيف تاريخ الطبري (اسم الجزء: 12)
يمرّ بقائد قائد، وجماعة جماعة، فيقول: يا أولياء الله وأهل الوفاء والشّكر، إنكم لستم كهؤلاء الذين تروْن من أهل النكْث والغدر، إن هؤلاء ضيّعوا ما حفظتم وصغّروا ما عظّمتم، ونكثوا الأيمان التي رعيتم، وإنما يطلبون الباطل ويقاتلون على الغدر والجهل، أصحاب سلْب ونهب، فلو قد غضضتم الأبصار، وأثبتم الأقدام! قد أنجز الله وعدَه، وفتح عليكم أبواب عزِّه ونصره، فجالدوا طواغيت الفتنة ويعاسيب النَّار عن دينكم، ودافعوا بحقكم باطلهم، فإنما هي ساعة واحدة حتى يحكم الله بينكم وهو خير الحاكمين. وقلق قلقًا شديدًا، وأقبل يقول: يا أهلَ الوفاء والصدق، الصبرَ الصبرَ الحفاظَ الحفاظَ! وتزاحف الناس بعضهم إلى بعض، ووثب أهل الريّ، فغلّقوا أبواب المدينة، ونادى طاهر: يا أولياء الله، اشتغلوا بمن أمامكم عمَّن خلفكم، فإنه لا ينجيكم إلَّا الجدّ والصدق. وتلاحموا واقتتلوا قتالًا شديدًا، وصبر الفريقان جميعًا، وعلتْ ميمنة عليّ على ميسرة طاهر ففضّتها فضًّا منكرًا، وميسرتُه على ميمنته فأزالتها عن موضعها. وقال طاهر: اجعلوا بأسكم وجدّكم على كراديس القلب، فإنكم لو فضضتم منها رايةً واحدة رجعت أوائلُها على أواخرها. فصبر أصحابه صبرًا صادقًا، ثم حملوا على أوائل رايات القلب فهزموهم، وأكثروا فيهم القتل، ورجعت الرّايات بعضها على بعض، وانتقضت ميمنة عليّ. ورأى أصحابُ ميمنة طاهر وميسرته ما عمل أصحابه، فرجعوا على من كان في وجوههم، فهزموهم، وانتهت الهزيمة إلى عليّ فجعل ينادي أصحابه: أينَ أصحاب الأسورة والأكاليل! يا معشرَ الأبناء، إليّ الكرّة بعد الفرّة، معاودة الحرب من الصبر فيها، ورماه رجلٌ من أصحاب طاهر بسهم فقتَله، ووضعوا فيهم السيوف يقتلونهم ويأسرونهم، حتى حال الليل بينهم وبين الطلب، وغنموا غنيمة كثيرة، ونادى طاهر في أصحاب عليّ: مَن وضع سلاحه فهو آمن، فطرحوا أسلحتهم، ونزلوا عن دوابّهم، ورجع طاهر إلى مدينة الرّيّ، وبعث بالأسرى والرؤوس إلى المأمون (١).
---------------
(١) هذه الأخبار (٥٢، ٥٣، ٥٤) الواردة في وصف مسير عليّ بن عيسى إلى الريّ والتقاءه بجيش طاهر بالقرب منها واقتتالهم الشديد ثم هزيمة جيش عليّ بن عيسى بعد مقتله ذكرها الطبري في حينها مجملًا. =
الصفحة 58
522