كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب (¬١).
قال بعض الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه سارت به وإن لم يسر، وفي هذا قال بعضهم:
وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلَّا مَرَاحِلُ ... يَحُثُّ بِهَا دَاعٍ إِلَى الْمَوْتِ قَاصِدُ
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ - لَوْ تَأَمَّلْتَ - أَنَّهَا ... مَنَازِلُ تُطْوَى وَالْمُسَافِرُ قَاعِدُ
وأما وصيةُ ابن عمر في هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل، وأن المؤمن ينبغي له إذا أمسى أن لا ينتظر الصباح، وإذا أصبح أن لا ينتظر المساء، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك، وبهذا فسر غير واحد من العلماء الزهد في الدنيا.
قال المروذيُّ: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد -: أي شيء الزهد في الدنيا؟ قال: قصر الأمل؛ من إذا أصبح قال: لا أمسي، قال: وهكذا قال سفيان: قيل لأبي عبد الله: بأي شيء نستعين على قصر الأمل، قال: ما ندري إنما هو توفيق.
وقوله: خذ من صحتك لسقمك، ومن حياتك لموتك.
يعني: اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول
---------------
(¬١) مسند الإمام أحمد (٥/ ٤٣٨)، وصححه ابن حبان في صحيحه برقم ٢٤٨٠.

الصفحة 10