كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)} [الأعراف: ٦٩]، أي جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش.
والمقصود أن عادًا كانوا عربًا جُفاة كافرين، عُتاة متمردين في عبادة الأصنام، فأرسل الله فيهم رجلًا منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والإخلاص له، فكذبوه وخالفوه وتنقصوه، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره، ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة، وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} [الأعراف: ٦٦]. أي هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسبة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يُرتجى منها النصر والرزق، ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك. {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٦٧)} [الأعراف: ٦٧]، أي ليس الأمر كما تظنون ولا ما تعتقدون {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [الأعراف: ٦٨]. والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المُبلَّغ، وعدم الزيادة فيه والنقص منه، ويستلزم إبلاغه بعبارة فصيحة وجيزة، جامعة مانعة، لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب، وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه

الصفحة 15