كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (٥٥)} [هود:٥٤ - ٥٥]. وهذا تحد منه لهم وتبرُّؤ من آلهتهم، وتنقص منه لها، وبيانٌ أنها لا تنفع شيئًا ولا تضر، وأنها جماد، حُكمها حكمه وفعلها فعله، فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر، فها أنا بريء منها، لاعِنٌ لها {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} [هود: ٥٥]. أنتم وهي جميعًا، بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه، وتقدروا عليه، ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين، فإني لا أبالي بكم، ولا أفكر فيكم، ولا أنظر إليكم {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)} [هود:٥٦]. أي أنا متوكل على الله، ومتأيد به، وواثق بجنابه الذي لا يضيعُ من لاذ به، واستند إليه، فلست أبالي مخلوقًا سواه، ولست أتوكل إلا عليه، ولا أعبد إلا إياه، وهذا وحده برهان قاطع على أن هودًا عبد الله ورسوله، وأنهم على جهلٍ وضلالٍ في عبادتهم غير الله؛ لأنهم لم يصلوا إليه بسوءٍ، ولا نالوا منه مكروهًا، فدل على صدقه فيما جاءهم به، وبُطلان ما هم عليه، وفساد ما ذهبوا إليه.
وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير ما آية، كما تقدم مُجملًا ومفصلًا؛ كقوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ} [الأعراف:٧٢]. وكقوله: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ

الصفحة 17