كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأحقاف:٢١]. فالظاهر أن عادًا هذه هي عادٌ الأولى، فإن سياقها شبيه بسياق قوم هود، وهم الأولى، ويحتمل أن يكون المذكورون في هذه القصة هم عادٌ الثانية، ويدل عليه ما ذكرنا، وما سيأتي من الحديث عن عائشة - رضي الله عنها -، وأما قوله: {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤]. فإن عادًا لما رأوا هذا العارض، وهو الناشئ في الجو كالسحاب، ظنوه سحاب مطر، فإذا هو سحاب عذاب، اعتقدوه رحمة فإذا هو نقمة، رجوا فيه الخير فنالوا منه غاية الشر، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ} [الأحقاف: ٢٤]. أي من العذاب، ثم فسره بقوله: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: ٢٤].
يحتمل أن ذلك العذاب هو ما أصابهم من الريح الصرصر العاتية الباردة، الشديدة الهبوب، التي استمرت عليهم سبع ليال بأيامها الثمانية، فلم تُبق منهم أحدًا، بل تتبعتهم حتى كانت تدخل عليهم كهوف الجبال والغيران، فتلفهم وتُخرجهم وتُهلكهم، وتدمر عليهم البيوت المحكمة، والقصور المشيدة، فكما مُنُوا بقوتهم وشدتهم، وقالوا: من أشد منا قوة؟ سلط الله - الذي هو أشد منهم قوة - عليهم ما هو أشد منهم قوة وأقدر عليهم، وهو الريح العقيم، ويحتمل أن هذه الريح أثارت في آخر الأمر سحابة ظن من بَقى منهم أنها سحابة فيها رحمة بهم، وغِياثٌ لمن بَقِي منهم، فأرسلها الله عليهم شررًا ونارًا، كما ذكره غير

الصفحة 19