كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

أخذهم الرعب، فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل تفرقوا في البلاد في داخل حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية في داخل الجزيرة وأرجائها النائية. وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة لعلهم لم يكونوا يحصلوا عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين. وجاء يُحنة بن رؤبة صاحب أيلة، فصالح الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأعطاه الجزية، وأتاه أهل جرباء وأهل أذرح فأعطوه الجزية، وكتب لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابًا فهو عندهم، وصالحه أهل ميناء على ربع ثمارها، وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة الجندل في أربعمائة وعشرين فارسًا وقال له: «إِنَّكَ سَتَجِدُهُ يَصِيدُ الْبَقَرَ» فأتاه خالد، فلما كان من حصنه بمنظر العين خرجت بقرة تحك بقرونها باب القصر، فخرج أُكيدر لصيدها، وكانت ليلة مقمرة، فتلقاه خالد في خيله، فأخذه وجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحقن دمه، وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح، وأقر بإعطاء الجزية، فقاضاه مع يُحنة على قضية دومة، وتبوك، وأيلة، وتيماء، وأيقنت القبائل التي كانت تعمل لحساب الرومان أن اعتمادها على سادتها الأقدمين قد فات أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين. وهكذا توسعت حدود الدولة الإسلامية حتى لاقت حدود الرومان مباشرة،

الصفحة 536