كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - على أم سلمة - رضي الله عنها - فقال: يا أم المؤمنين إني أخشى أن أكون قد هلكت، إني من أكثر قريش مالًا، بعت أرضًا لي بأربعين ألف دينار، فقالت: أنفق يا بني فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي مَنْ لَا يَرَانِي بَعْدَ أَنْ أُفَارِقَهُ»، فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَتَاهَا، فَقَالَ: بِاللَّهِ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَتْ: اللَّهُمَّ لَا، وَلَنْ أُبَرِّئَ أَحَدًا بَعْدَكَ (¬١). قال أنس - رضي الله عنه -: رأيت عبد الرحمن بن عوف، قُسِم لكل امرأة من نسائه بعد موته مئة ألف.
ومن أفضل أعمال عبد الرحمن - رضي الله عنه - عزله نفسه من الأمر وقت الشورى واختياره للأمة من أشار به أهل الحل والعقد، فنهض في ذلك أتم نهوض على جمع الأمة على عثمان، ولو كان محابيًا فيها لأخذها لنفسه أو ولّاها ابن عمه وأقرب الجماعة إليه سعد بن أبي وقاص.
قال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده، سمع عليًّا يقول يوم مات عبد الرحمن بن عوف: اذهب يا ابن عوف! فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها، الرنق - الكدر. ولكن - رضي الله عنه - مع كثرة ماله كان يخشى على نفسه من أن يكون انفتاح الدنيا استدراجًا من الله له وهذا من تواضعه وتقواه، فروى البخاري في صحيحه من
---------------
(¬١) (٤٤/ ٢٩١) برقم (٢٦٦٩٤)، وقال محققوه: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.

الصفحة 557