كتاب الدرر المنتقاة من الكلمات الملقاة (اسم الجزء: 12)

النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (¬١).
ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر! أين متاعكم؟ قال: إن لنا بيتًا نوجه إليه، قال: إنه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا، قال: إن صاحب البيت لا يدعنا فيه.
قال بعض الحكماء: عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه ينشغل بالمدبرة ويُعرض عن المقبلة، وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطنًا، فينبغي أن يكون حاله فيها على أحد حالين: إما أن يكون كأنه غريب، مقيم في بلد غربة، أو يكون كأنه مسافر، غير مقيم البتة.
فلهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر أن يكون على أحد هذين الحالين، فأحدهما: أن يُنزِلَ المؤمنُ نفسه كأنه غريبٌ في الدنيا، يتخيل الإقامة لكن في بلد غربة! فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة، بل قلبه متعلقٌ بوطنه الذي يرجع إليه، وإنما هو مقيمٌ في الدنيا ليقضي مرمة (¬٢) جهازه إلى الرجوع إلى وطنه.
---------------
(¬١). مسند الإمام أحمد من حديث عبد اللَّه بن مسعود (٧/ ٢٥٩) برقم ٤٢٠٨، وقال محققوه: صحيح.
(¬٢). أي يجمع متاعه ليرجع إلى وطنه.

الصفحة 8