كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

النفس هؤلاء الشهود الجدد، وأقوال (المجاهدين)، التي لا يمكن إهمالها لمجرد الرغبة الحمقاء التي يخلقها في النفس ذلك الصراع العاطفي الذي لا يتوقف يوما. وكيف يمكن أن يصح ما تزعمه الدعاية الفرنسية من أن (المجاهدين) يأتون بالسكان المدنيين ويرغمونهم - قسرا - على مساندة جيش التحرير الوطني؟! وكيف يصح ذلك ونحن نرى الأهلين يشكلون عند مرورنا بهم - عبر الوادي - جماعات تهلل للنصر. أو عندما أطبقت علي امرأة عجوز وراحت توسعني تقبيلا بحماسة لا توصف؟ كيف يصح ذلك ونحن نرى الفلاحين يرافقوننا خطوة خطوة، وقد حملوا جرارهم المليئة بالماء، وكل هدفهم تجديد الدعوة لنا حتى نعود لزيارتهم مرة أخرى؟ وقد يفكر المرء بأن مظاهر الإعجاب والثقة هذه كلها مفتعلة، مهيأة، موعز بها مسبقا، وتحت تأثير التهديد. ولكن الواقع هو أن المرارة التي يعرب بها سكان الأكواخ عن عواطفهم، وهم يتحدثون عن الفرنسيين، لا يمكن إلا أن تكون حجة دامغة صادرة عن عاطفة صادقة، غير مفتعلة.
لم يكن في وجه تلك المرأة العجوز - التي سبقت الإشارة إليها - شيء من الكذب أو الخداع، فقد فقدت كل شيء. وكانت دمومعها تنساب بسخاء وهي تتعلق بجواد الرئيس، وتتوسل إليه أن يصحبها معه إلى الجبال الأمينة القريبة من الحدود. فقبل عدة أيام، قامت المصفحات الفرنسية بحملة على المنطقة، وهاجم الجنود الفرنسيون بيتها، فلم يبقوا منه شيئا، وانتهبوا كل ما تملك، ودمروا البيت فبعد أن التحق ولدها بجيش التحرير الوطني، على أثر استياق الفرنسيين لأبيه تعرضت العجوز مرتين خلال أشهر قليلة للنهب والتدمير.

الصفحة 17