كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

سلسلة من عمليات سوف تضطر الفرنسيين إلى زج (20 - 30) ألف مقاتل ضد جبال الشرق الجزائري، وتعطي للمجاهدين إمكانيات هائلة لشن هجمات مضادة وكمائن. وهذا يعني أني سوف أضطر إلى البقاء بين المقاومين مدة أطول مما كنت أعتقد وأتوقع. ولما كان الأمر غير المنتظر قد وصل، فقد قطع المجال على كل جدل أو نقاش. وغادر القسم الأكبر من الجماعة الأكواخ ليشكلوا حملة طويلة تسير في اتجاه الأودية، عبر الدروب الضيقة. ولم يكن الجنود يحملون معهم إلا الأسلحة والأعتدة الضرورية.
مررنا خلال مسيرنا أمام مجموعة من أكواخ الفلاحين، فرأينا جماعة من الصبية في أسمال بالية، أخذوا في تحيتنا تحية عسكرية وأوشكنا أن نسحق من قبل الفلاحين المتكأكئين حولنا في الظلام الذي يوشك أن يدلهم. وتبادل الجميع التحيات .. فكان الفلاحون يصافحون كل جندي بدوره. وكانت الأيدي تلتقي ثم ترفع إلى القلوب، مع تبادل كلمات (السلام عليكم). وأحيانا كان الفلاحون يضعون أيديهم على أكتاف الجنود أو الضباط، ويقبلونهم على الخدين، ويتبادلون معهم بعض الكلمات، ثم ينتقلون إلى الشخص التالي. وتوقف الركب بعد عدة ساعات. وكانت النار تلتمع في أسفل الوادي حيث يتجمع الفلاحون. وكانت تلك غاية المرحلة الأولى. واستخرجت من الأكواخ أغطية ووسائد، كما بسحر ساحر، وسرعان ما تحلق حول الجنود رجال ونساء، وقد حملوا صحافا كبيرة عليها أقداح وأباريق القهوة المحلاة بالسكر. وبين وقت وآخر، كان يظهر قوم آخرون، تحدوهم الحماسة ذاتها، وحب الضيافة ذاته، وهم يحملون القهوة والعنب والتفاح.

الصفحة 23