كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

استفقنا في الصباح على أزيز أولى طائرات الاستطلاع لهذا اليوم. ومرة أخرى، وجدنا أنفسنا محاطين بالفلاحين ذوي الوجوه التي لوحتها الشمس، وقد حملوا أقداح القهوة وعلب المحفوظات، وظلت الجماعة قابعة في الأكواخ طوال فترة قبل الظهيرة، ولكنهم شرعوا عند العصر، بتحميل الرشاشات على البغال، وفئة بعد فئة، اختفوا وراء الضفة الجافة من النهر، ها قد بدأ المسير نحو الهدف. وبعد ساعات من السير السريع، ابتعدنا عن الأكواخ المنخفضة المعلقة على المنحدر، والروابي الممتدة القاحلة، وأصبحت الأكواخ أندر وجودا - ولكن اهتمام السكان كان متعاظما أبدا، أيد ممدودة تتقدم منا دائما، فوق الروابي، إلى اليمين وإلى اليسار. أما في الأمام، فقد انحدر قرص الشمس إلى ما وراء الأفق، فيما كانت طائرة إفرنسية ترسم في السماء دوائر واسعة. وتوقفت الجماعة الصغيرة من الأنصار (المسبلين) وهي تنتظر هبوط الظلام، واختفاء الطائرة المعادية. وبدد الصمت صوت الضابط: هنالك أمامنا توجد (قلعة لامي) وفيها فوج فرنسي وحامية مؤلفة من (800) رجل، هذا هو هدفنا.
لم يبق الآن بيننا وبين القلعة أي شخص مدني، فقد طرد الفرنسيون كل السكان، وأجبروهم على سكنى القرية بدعوى حمايتها من الهجوم. ولم نلبث حتى مضينا إلى المرحلة الأخيرة، ولم يعد أحد يغني أو يتكلم. فكان المرء لا يسمع في الظلام الدامس، سوى لهاث الرجال ووقع أحذيتهم على الأرض أو فوق حصى الجداول. وكانت المدفعية الفرنسية قد صمتت، ولكن أنوار القرية والحصن الفرنسي كانت تبدو وكأنها الضباب الخفيف المنتشر على المرتفعات، واجتزنا الكيلومتر الأخير عبر مرتفعات

الصفحة 24