كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

تملؤها الحفر والأشواك وتغطيها الصخور الضخمة التي أحرقتها حرارة الشمس. وخرج من الوادي شعاع من نور، وتقدم فوق الروابي، وتوقف الركب متحفزا في الترقب بينما راحت أعمدة النور المنطلق من الكشافات تجوب الأرض على بعد عشرين مترا منا، تدنو تارة وتختفي أخرى. وبعد دقائق قليلة وصلنا إلى القمة، وقد بدت على بعد ستمائة متر تحتنا القلعة والقرية والأنوار. وكان شبح الرئيس يروح ويغدو فوق القمة. وكانت مدافع الهاون والأسلحة الآلية - الأوتوماتيكية - قد اتخذت أماكنها، والجنود المزودون بالبنادق الرشاشة والرشاشات قد تفرقوا فوق قمم الهضاب.
كانت الساعة قد أشارت إلى العاشرة عندما انطلقت الرصاصة الأولى، وفتح (المجاهدون) النار من كل أسلحتهم دفعة واحدة، واطفئت الأنوار في القرية والقلعة. ولكن وميض القذائف، وقنابل الهاون، كانت تنير جدران التحصينات، والأسلاك الشائكة. وما هي إلا دقائق مرت بسرعة، حتى أعقب الضجيح صمت غريب. وصدر الأمر بالتراجع والانسحاب. وانطلق الجميع يطوون الأرض ويتسلقون المرتفعات مبتعدين عن القلعة. وهنا بدأت مدفعية العدو في القصف على غير هدى، وحدث انفجار بالقرب منا، وانبطح الجميع على الأرض لينهضوا بعد ثوان قليلة، وتكرر ذلك مرات عديدة. وبدأنا نشعر بالتعب والإعياء. حتى بلغنا نهرا، وأصبحت
هناك رابية على الأقل تفصل بيننا وبين العدو، وتحول الركض إلى سير وئيد تحت أوامر الملازم المطمئنة: لا يجرؤ الفرنسيون على الوصول إلى هنا، لذلك فنحن سادة الموقف.
وصلنا في الساعة الثانية صباحا إلى إحدى المزارع البيضاء،

الصفحة 25