كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

وجاءنا القوم يحملون إلينا الماء والخبز وحساء شديد اللذع وفرشا من القش، وأغطية، حملها فلاحون صامتون، ثم حملوا إلينا شايا بدون سكر، كأنه أحضر بسحر ساحر. وجلسوا القرفصاء قربنا بينما كنا نأكل، وكان الصمت يزداد ثقلا لحظة بعد أخرى، وأقام ابن المزارع حراسة حولنا، فكان نور المصباح الزيتي ينير قسمات وجهه الشاحب، والصارم.
...
إنهم يتكلمون عن الحرب فقط، ولا يحلمون إلا بالحرب، ولا يستطيعون، أو بالأحرى لا يريدون الابتعاد عن مثل هذا الجو، فذكرياتهم ليست سوى معارك. أما ما كان من أمرهم قبل إطلاق الرصاصة الأولى للثورة، من شؤون عائلية أو حياتية، فلا يتردد على ألسنتهم إلا نادرا. ومعظم مجاهدي الجبال يقيمون دونهم جدرانا، فلا يريدون الاتصال بعائلاتهم، ويتناسون كل شيء عن هذه العائلات، كل هذا يفعلونه حتى لا يخونوا الجهاد الذي يضطلعون به، والذي يعدون أنفسهم للاضطلاع به سنوات وسنوات.
وكان يوم آخر، مثله كمثل بقية الأيام، مضى علينا في الجبال المشجرة، كان الجنود جالسين جماعات تحت ظلال الأغصان، بين أشعة الشمس المتسربة منها. وذهبت الدوريات تتفقد الطرق التي مهدتها الأقدام، وجماعات صغيرة أخرى كانت تعود من نوبتها في الحراسة. أما في الليل فكانت جماعات من الجنود تبتعد عن الأكواخ، لتقيم الصلاة، وأكد بعض الجزد أنهم يقومون بواجباتهم الدينية كاملة فيصلون في اليوم خمس مرات. وجاء جنود آحرون يحملون زجاجات وعلب صغيرة فيها ماء من غدير يكاد

الصفحة 26