كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

بالرجوع إلى بلده فهرب بالطبع من الجيش فور وصوله إلى الوطن.
وهكذا استمر الحديث ساعات طويلة وهو يدور عن الحرب. وكانوا يتحدثون عن الفرنسيين بمرارة لما يقومون به من تدمير للقرى الآمنة، ولما يمارسونه من تعذيب للسكان المدنيين الذين سقط منها آلاف الضحايا البريئة، علاوة على المعتقلين في معسكرات الأسرى والذين يزيد عددهم في المعتقلات على مائتي ألف، في تلك الفترة، وكانوا يؤكدون لي أن فرنسا سوف تخسر الحرب، وأن الثورة سوف تربحها مهما بلغ حجم الجيوش التي ترسلها
حكومة باريس إلى الخطوط الأمامية، وبالرغم من الموقف اللامبالي أو المساعدات التي تقدمها الدول الغربية، فإن ثقة المجاهدين بالنصر هي ثقة راسخة لا تتزعزع.
بعد القيلولة، في أيام الانتظار والراحة، كنا ننزل نحو الوادي متخذين طرقات من الوعورة بحيث نضطر إلى التمسك بالشجيرات خشية السقوط. وبلغنا بعض الأكواخ، حيث يقيم اللاجئون الذين جاؤوا من وسط الجزائر باتجاه الشرق نحو الحدود التونسية، حيث يجدون الأمن. وبينما ينصرف الضباط الى توزيع الألبسة والنقود، على الرجال والنساء، يجلس الجنود يتجاذبون أطراف الحديث مع المدنيين، ويبدو أنهم يتجنبون الأطفال، وأخذني جندي ضيق الوجه، عصبي القسمات، نحو شجرة أوتنا بظلها، بحيث لا يسمعنا أحد، وأسر إلي بقوله: أنه كان يعمل قبل اليوم داخل الحدود التونسية، في إحدى القواعد الكائنة في مدينة تونسية، وجاءته ذات يوم امرأة جريح وقالت له إنها فقدت كل شيء، أسرتها وبيتها أثناء غارة فرنسية شنت على القرية. وتابع الجندي: لن أنساها أبدا، وددت لو آخذ بندقية، وأخرج إلى المدينة التونسية،

الصفحة 28