كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

وأقتل كل من أصدفه من الفرنسيين فيها. ولكن حسنا كنت في تونس، والأوروبيون هناك لم تبق جنسيتهم فرنسية، بل تونسية.
وقد يكون بعضهم بريئا مما يرتكبه الفرنسيون في الشمال الأفريقي في السنوات الأخيرة. وصمت الجندي ثم إنه أضاف: هذا ما يصعب احتماله، وتصعب رؤيته، فإن الكثيرين منا يرهقهم أن يتذكروا ما حدث، وما يمكن أن يحدث لعائلاتنا في القرى التي يسيطر عليها الفرنسيون أو يهاجمونها، ولهذا تجدنا نتجنب كل ذكرى، وكل اتصال بعائلاتنا. ولعل هذا هو الذي يحملنا على تجنب الاختلاط بالأطفال هنا واللعب معهم.
اتجهنا عند الغسق نحو المرتفعات، حيث توجد أكواخنا المصنوعة من أغصان الشجر. وحملوا إلينا الطعام فوق موائد، وكان مؤلفا من خبز ضخم، وطبق كبير من البصل، وسلطات وبندورة (طماطم) وبطاطا مقلية، وقطع من لحم الدجاج، وماء يمازجه عصير بعض الفواكه. ويمكن للمرء هنا الاحتفاظ بشعوره بالسلم والطمأنينة والفرح، في وسط الطبيعة الخلابة، لو كان باستطاعته أن يصم أذنيه عن هدير عربات نقل الجند الفرنسية (الكميونات) الآتية من وراء الجبل، وعن هدير طائرات الاستطلاع، وإذا عميت عيناه عن رؤية بريق الأسلحة في الخنادق، حيث يرتاح الجنود الجزائريون، وإذا لم يعر المرء سمعه لأحاديث الشهود المريرة، وطلبات العون والنجدة والحماية الصادرة عن الفلاحين ضد الحملة القادمة من الشمال.
وقد روت لي المرأة العجوز التي دعتني لتناول قدح من القهوة، فحدثتني بهدوء عما حدث قبل شهر: حيث اجتازت الدبابات الفرنسية مجاري المياه، وبدأت القنابل تتساقط بين

الصفحة 29