كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

التحرير. كان البيت مستطيلا، وهو ذو أسس حجرية مستديرة، وثمة أوتاد متينة تشكل واجهته وحوامل سقفه، وكان السقف مؤلفا من أغصان ضخمة تعلوها أخرى أرق وفوقها طبقة من قشر الشجر. ولم تكن المسامير مستعملة في هذا البناء، إنما حلت الجبال محلها , وكان القسم الأكبر من الأرض مغطى بسجادة ذات ألوان عديدة، واصطفت وسائد ضخمة على طول الجدران. ودخل فلاح يحمل قطعة ضخمة من الخبز، ويبلغ هذا الخبز ضخامة دولاب الطاحون، وهو يؤكل دائما طريا ساخنا. وكان فلاح آخر يتبعه بإبريق فيه حليب، وثالث يحمل سلطة البصل. وأبدا كانت تشع في عيونهم تلك النظرة المرحبة، وتمتد أيديهم بالمصافحة الحارة أو العناق والقبل على الخدين. وهم ينظرون إلى كل غريب نظرتهم إلى (أخ - ضيف) - وفي إحدى زوايا الكوخ كانت تقوم مائدة مطلية باللون الأخضر الفاتح وقد نقشت عليها حروف عربية إنها آيات قرآنية كتبت لتكون درسا لطفل. ولكن أمدا طويلا قد مضى دون أن يستطيع أحد نقل هذا اللوح، ويضعه أمام أي طفل، ويشير إلى الحروف المتداخلة ليلقنه إياها. أما كتاب التمارين فكان مهجورا وقد علاه الغبار. وفي زاوية أخرى من الظل - في الكوخ - كانت بعض النسوة قد جلسن القرفصاء حول القدر، كن يلقين بالدقيق في القدر ويقطعن لحما. وثمة طفل مريض يصرخ وهو يلتصق بظهر أمه، بينما لاذت الأخريات بالصمت، ورحن يلاحقننا بأنظارهن. وهناك أيضا، أربعة أطفال في الخامسة تقريبا يرتدون الثياب البالية، لم أرهم يلعبون أبدا. وهذه - كما أذكر - يسمونها تصرفات ما يسمى - بالأطفال الشيوخ - الذين ينطوون على أنفسهم في صمت ووجوم.

الصفحة 31