كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 12)

بعد الظهر، غادرنا الوادي بشيوخه ونسائه وأطفاله، وكانت القرية خالية من الشباب، فالجميع قد قصدوا الجبال وحملوا السلاح. وكانت هذه آخر مرحلة في المسير إلى القلعة، وليلة الهجوم قد أزفت. ولم تمض عدة دقائق حتى لحق بنا فتى في الرابعة عشر ورجل آخر متقدم في السن يتبع الفتى باستمرار، وكان الفتى يحمل بندقية آلية - أوتوماتيكية - أغلب الظن أنه غنمها من جندي جريح، وتقدم من الرئيس: انه يريد الذهاب مع المجاهدين الثوار، والانضواء تحت لواء الجيش. وتقدم الرجل المسن هو الآخر، ولا يكاد يشعر به أحد، وصافح الرئيس، وعانق ابنه على الخدين. واستدار، وعاد، من غير أن ينطق ولو بكلمة واحدة. وقد خفضت جميع الأنظار. وران صمت ثقيل، ولحظت أني لم أكن الوحيد الذي ينظر إلى المنحدر والأشجار. ولكني لم أر الفتى أثناء سيرنا الليلي، ولا شك أن الرئيس قد أرسله إلى القاعدة ليتدرب.
خاض المجاهدون معركتهم - ضد القلعة الفرنسية - بنجاح رائع، كعادتهم، واتخذوا بعد ذلك طريق العودة عبر أودية أخرى. حتى إذا ما وصل الجميع إلى مجموعة من الأكواخ، وقف الرئيس خطيبا، فألقى كلاما حادا وجه فيه اللوم إلى رجل لأنه لم يرسل ابنه المريض إلى المركز الصحي للمجاهدين، والقريب من الحدود، ومضى (الرئيس) يتدفق كالسيل في حديثه الموجه إلى الفلاحين، وأظهر استجابته لطلباتهم بالمساعدة، كما أنه أرشدهم إلى الملاجىء الأمينة المنظمة في كل المنطقة، ونصحهم باللجوء إليها في حال حدوث حملات فرنسية. وفي قرية ثالثة، قام ضابط من المجاهدين بتوزيع مساعدات عائلية وأقمشة. فكان كل فرد

الصفحة 32